بحث عن زهير بن أبي سلمى

بحث عن زهير بن أبي سلمى
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

زُهير بن أبي سُلمى

عُدَّ الشعر الجاهليّ من أرفع الآداب في ذلك العصر، ولا يزال أرفعه في نظر الكثير من النُّقاد إلى يومنا هذا، فقد وصفوه بأنّه عودة إلى الأصالة، وإبداع في ترجمة العواطف، وتميز في صياغة القصيدة بكامل عناصرها؛ فالشعر عند العرب له شأن في تخليد تاريخهم وتمجيد مآثرهم، لذا فقد كان للشاعر أكبر منزلة بين قومه.[1] فكيف يكون الحال إن تميّز الشعر بالصدق، والتعقل، والرزانة، والتهذيب، والتنقيح! كان هذا حال شعر زهير بن أبي سُلمى الذي يُعدّ من أشهر شُعراء العصر الجاهليّ، وثالث ثلاثة من المُتقدّمين على سائر الشعراء في تلك الفترة مع امرئ القيس والنابغة الذبيانيّ، ممّا دفع الأُدباء إلى الإجماع على أنّه شاعر الجمال والحِكمة، والداعي إلى الخير والإصلاح بين أبناء قبيلته وما حولها.[2]

نسب زهير بن أبي سُلمى وحياته

هو زهير بن أبي سُلْمى ربيعة بن رباح المزنيّ، من قبيلة مزينة، كُنِّي أبوه بابنته سُلْمى، فقيل له: أبو سُلْمى ربيعة. وُلِد زهير بن أبي سُلمى عام 520م في الحاجر، وترعرع في حاجر من أرض نجد قرب أراضي غطفان حول المدينة المنورة، بعد أن اختلف والده مع أصهاره حول توزيع الغنائم على إثر غارة على بني طيّ، فرحل مع أهله إلى أرض غطفان، وهناك نشأ زهير.[3]

عاش زهير يتيم الأب منذ طفولته، فتزوّجت أمّه من أوس بن حجر الذي يُعدّ من أفضل الشعراء في العصر الجاهليّ، فلزِمه زهير، وتعلّم على يديه، وحفظ أشعاره حتّى استطاع أن ينظم قصائده بلون جديد، ما حدى بقبيلته أن تلتفت له وتُقدّره أكبر تقدير. وما جعل موهبة زهير تلمع أكثر هي ترعرعه في كنف خاله بشامة بن الغدير، الذي اتّخذه ولداً أحبّه واعتنى به، وأورثه الشعر والأخلاق والمال.[3]

تزوّج زهير امرأةً اسمها ليلى، ولُقِّبت بأمّ أوفى، لكن لم يعِش لهم أولاد؛ فقد ماتوا كلّهم صغاراً، فطلّقها، وتزوّج كبشة بنت عمّار بن سحيم؛ أحد بني عبد الله بن غطفان، وأنجبت له ولدين هما كعب وبجير، إلّا أنه وجد صعوبةً في تفهُّم خصالها، فرغب بالعودة إلى زوجته الأولى بعد عشرين سنةً من طلاقهما، إلا أنّ أمّ أوفى قد رفضت ذلك. كان زهير بن أبي سُلمى من المُعمِّرين؛ فقد عاش تسعين سنةً أو أكثر؛ فمعلّقته المشهورة دلّت على أنّه كان في الثمانين من عمره عندما كتبها:[3]

عوامل هيّأت نبوغ شعر زهير بن أبي سُلمى

هناك العديد من العوامل التي أثّرت في شعر زهير بن أبي سلمى، ومنها:[2]

  • نشوء زهير في بيت شعرٍ عريقٍ، كان شعراؤه من المشهود لهم، ومنهم أبوه ربيعة، وخاله الشاعر بشامة بن الغدير، وزوج أمّه أوس بن حجر، وأختاه الخنساء وسُلمى، وابناه كعب وبجير.
  • تأثّره بخاله الشاعر بشامة بن الغدير الذي تربّى في كنفه؛ فقد أورثه الحِكمة والرّزانة والهدوء، والرابطة التي جمعته مع الشاعر أوس بن حجر الذي تميّز بدقّة الوصف، وإجادة التشبيه، فتتلمذ على يديه، وأخد يروي عنه قصائده .
  • عمره الطويل ساعده على اكتساب الخبرة، ومعرفة أحوال الناس وطبائعهم، والإفادة من خبرات من سبقوه، لذا نقّح شعره من الأخطاء التي وقع فيها غيره.
  • تأثّره بالثقافة الدينيّة التي سادت عصره؛ حيث كانت الحكمة، والخير، والاستقامة، والأخلاق العامّة تتجلّى في قصائده.
  • تربيته التي أثرت في طبعه وشِعره؛ فكان متروّياً مُتّزِناً مسالماً في طبعه، بعيداً كلّ البُعد عن الشرّ، يُضفي وقار شيخوخته على أقواله؛ فهو سيّد قومه، أوامره ونواهيه يضفيها بقالب من الهدوء والحكمة، فكان يحرص على التأنّي في قول الشعر، حتّى عُرِف عنه بأنّه كان يقضي حولاً كاملاً في نظمها وتنقيحها وعرضها على أخصّائه؛ حتّى سُمِّيت قصائده بالحوليّات.

ما تميّز به شعر زهير بن أبي سُلمى

أهمّ ما ميز شعر زهير بن أبي سلمى مجموعة من الأغراض الشعريّة:[2]

  • المَدح: مدَح زهير بن أبي سلمى اثنين من أسياد العرب، هما هرم بن سنان، والحارث بن عوف، وذلك على إثر إصلاحهما بين قبيلتي عبس وذيبان، اللتين تقاتلتا بسبب سباق؛ فقد كان العرب في القِدَم يعقدون حلقات سباق يراهنون فيها على الخيول، فدخل سيّد بني عبس قيس بن زهير بجواده داحس، بينما دخل حمل بن بدر من قبيلة ذيبان السباق بفرسه التي تُسمّى الغبراء، وعندما حان وقت السباق خاف حمل بن بدر أن تخسر فرسه السِّباق، فدبّر مكيدةً مع بعض فتيان قومه؛ ليُعيقوا طريق داحس بضرب وجهه إذا سبق الغبراء، وهذا ما فعله الفتيان، فانكشفت الحيلة وقامت الحرب بين القبيلتين، وقد استمرّت قرابة أربعين عاماً، نتج عنها الكثير من الدّمار والهلاك، فنظم قصيدةً من ستّين بيتاً يمدح فيها المُصلحين بصدق ودون مبالغةٍ، ويحذّر القبيلتين من إضمار الحقد، كما يصف الحرب وأهوالها.
  • الوصف: عاش الشاعر في بيئة يغلب عليها طابع البداوة؛ حيث وصف رحيل الأحِبّة عنه، والأطلال، وتغنّى بالخيول والنّوق والصّيد، كذلك وصف الحروب وما نتج عنها من دمار وهلاك وصفاً دقيقاً، وممّا ساعد الشاعر زهيراً بن أبي سلمى على ذلك هو قدرته على التأمّل، وحسّه المُرهَف، ودقّة ملاحظته؛ فكانت له قدرة على ترجمة كلّ ما تقع عليه عيناه وتحويله إلى أشعار، ومن أبياته التي تصوّر الحيوان بحركاته وهيئاته:
  • الرِّثاء: هو أحد أغراض الشعر التي استخدمها زهير في رثاء هرم بن سنان، فرثاه بعاطفةٍ حزينةٍ تُعبّر بصدقٍ عن حُبّه لسيّده، ومن أشهر أبياته التي قالها في رثاء هرم بن سنان:[4]

سِمات شعر زهير بن أبي سُلمى

أبرز خصائص وسِمات شعر زهير بن أبي سُلمى، ما يأتي:[3]

  • العاطفة وإن حضرت بين الحين والآخر في شعر زهير بن أبي سلمى، إلّا أنّها لم تكن سِمة رئيسةً في شعره؛ فأبواب الغزل مقفولة فيه إلّا في مكانها ولزومها؛ لذلك يُرى أنّ قصائده جاءت لتُحدّث العقل قبل القلب في قالب من الوقار والحكمة في قليل من العاطفة العقليّة التي تكسر ذلك الجمود، وتوقِظ مكارم الأخلاق والشّرف.
  • زهير بن أبي سلمى شاعر جاهليّ، يُخاطب مجتمعه الجاهليّ دون فلسفةٍ، بعبارات بسيطة قابلة للفهم السريع، لذا فإنّ قصائده بعيدة عن التعقيد والغموض، مع جزالة الألفاظ بأسلوب متين.
  • شعره أقرب ما يكون إلى الأسلوب التعليميّ بما فيه من حِكَم، ووضوح فكريٍّ، ورصانةٍ في اختيار العبارات، والبُعد عن العاطفة القلبيّة، تُستخلَص منه دروس وإرشادات لا تُرى عند شعراء عصره.
  • كان يُطلَق على قصائده الحوليّات؛ فهو يكتب الشعر، ثمّ يُنقّحه ويُهذّبه، ويعرضه على أخصّائه في سَنةٍ، وهذا ما ميّز شِعره بخلوّه من الأخطاء.

ممّا قيل في زهير بن أبي سُلمى

تحدّثت شخصيّات بارزة عن زهير بن أبي سلمى، ومن ذلك كان ما يأتي:[2]

  • وصف عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين زهيراً بن أبي سلمى بشاعر الشُّعراء؛ وذلك لأنّه لا يُحابي أحداً في الباطل، ولا يمدح رجلاً بخصاله إلا ما يكون فيه، ولصدق شِعره وفصاحته.
  • عندما كان الخليفة معاويّة بن أبي سفيان مجتمعاً مع الأحنف بن قيس، سأله عن أشعر الشُّعراء، فأجابه الأخير: زهير بن أبي سلمى، فقال معاوية: وكيف ذلك؟ قال: لأنّه يأخذ من الكلام ما هو خيره، ويترك لبقيّة الشعراء فضلات الكلام.
  • قد قال محمد بن سلام الجمحي صاحب كتاب طبقات فحول الشعراء عن زهير بن أبي سلمى: إنّه أفضل من كتب الشِّعر في عصره، وأكثر الشعراء بُعداً عن سخف الأمور، وأكثرهم حِكمةً وبساطةً في اختيار عباراته.

بعض أبيات معلّقة زهير بن أبي سُلمى

تتحدّث المعلّقة التي كتبها الشاعر زهير بن أبي سلمى وتتكوّن من 59 بيتاً، عن الوقوف على الأطلال، والأظعان، ومدح مساعي المُصالحين في السلام، وقد وجّه قسماً منها إلى المُتحاربين وما يضمرونه من حقد على بعضهم، وفي نهايتها يتحدّث في الحِكم، ومن هذه الأبيات:[1]

وفاة زهير بن أبي سُلمى

رأى زهير في منامه أنّ هناك ما أتاه وصعد به إلى السّماء، فلمّا وصلها كاد أن يمسّها بيده إلا أنّه لم يستطع، فهبط به إلى الأرض، فلمّا كان على فراش الموت يحتضر قصّ رُؤياه على ابنه كعب، وفسّر منامه ببعثة رسول يأتي في آخر الزّمان، فأوصى أولاده إن جاء أن يُؤمنوا به، فلمّا بُعِث النبيّ محمّد -عليه الصّلاة والسّلام- أسلم ابنه كعب، وكتب قصيدته المشهورة بانت سُعاد. تُوفّي زهير بن أبي سلمى سنة 631م، عن عمر يُناهز تسعين سنةً أو أكثر، وقالت الخنساء ترثي أخاها زهيراً:[5]

المراجع

  1. ^ أ ب علي الجندي ( 1412هـ - 1991م )، في تاريخ الأدب الجاهلي (الطبعة الأولى)، القاهرة : مكتبة دار التراث، صفحة 274-301. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث د. يسري عبد الله، "زهير بن أبي سُلمى: شاعر الحكمة والسلام"، www.oudnad.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2018. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث مجتبي شاهي (6-9-2010)، "الحكمة في شعر زهير بن أبي سُلمى"، www.diwanalarab.com، اطّلع عليه بتاريخ 7-2-2018. بتصرّف.
  4. ↑ الأعلم الشنتمري (2001)، أشعار الشعراء الستة الجاهليين (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلميّة، صفحة: 46، جزء: 1. بتصرّف.
  5. ↑ مصطفى الغلايينى (1418هـ-1998م)، رجال المعلقات العشر (الطبعة الأولى)، صيدا-بيروت: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر، صفحة: 30، جزء: 1. بتصرّف.