تعريف الطلاق لغة واصطلاحا

تعريف الطلاق لغة واصطلاحا
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

الطلاق في الشريعة الإسلامية

تعدّ الحياة الزوجية من النعم التي أنعم الله -تعالى- بها على الزوجين الذكر والأنثى، وهي السكن لهم والرحمة، كما جاء في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)،[١] فالأصل في الحياة الزوجية الرحمة والمودة بين الزوجين، وقد تحلّ الجفوة بدل المودة في العلاقة بين الزوجين، وتحلّ القطيعة مكان الرحمة، فيكون الفراق بين الزوجين أولى، كما جاء في قول الله تعالى: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا)،[٢] وقد وضع الشارع ميزاناً دقيقاً يُضبط به التنافر الحقيقي بين الزوجين والتنافر الظاهري، فأمر بدايةً بالموعظة، ثمّ بالهجر في المضاجع، ثمّ أجاز الضرب غير المبرِّح، وغير الشائن، فإن لم يُجدِ نفعاً، كان لا بدّ من الحكمين لإزالة ما بين الزوجين من التنافر والجفوة، فإن لم يجديا نفعاً كان الطلاق أمراً مقتضيا للحياة الزوجية، قال الله تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)،[٣][٤] وفي هذا المقال سيتم بيان موضوع الطلاق، من حيث التعريف لغةً واصطلاحاً، والحكم الشرعيّ له، وشروطه، وأركانه.

تعريف الطلاق لغةً واصطلاحاً

لفظ الطلاق كغيره من الألفاظ التي تزخر بها اللغة العربية، والتي لها معنيان؛ أحدهما في اللغة، والآخر في الاصطلاح، وفيما يأتي بيان كلا المعنيين:

  • الطلاق في اللغة: الطاء واللام والقاف أصلٌ صحيح، يدل على التخلية والإرسال، يُقال: انطلق الرجل ينطلق انطلاقاً، وأطلقته إطلاقاً، ومن هذا الباب؛ عدا الفرس طلقاً وطلقين، وامرأة طالق؛ أي طلّقها زوجها، والطالق: الناقة التي تُرسل لترعى حيث شاءت.[٥]
  • يُعرّف الطلاق في الاصطلاح بعددٍ من التعريفات، وهي:[٦]
  • يُعرّف عند فقهاء الحنفية بأنّه: رفع قيد النكاح في الحال أو المآل، بلفظٍ مخصوصٍ.
  • يُعرّف عند فقهاء المالكية بأنّه: رفع القيد الثابت شرعاً بالنكاح.
  • عرّفه فقهاء الشافعية بأنّه: حلّ عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه.
  • عرّفه الحنابلة بأنّه: حلّ قيد النكاح أو بعضه.

حكم الطلاق

للفقهاء في حكم الطلاق وإيقاعه عدّة آراءٍ وتفصيلاتٍ، وفيما يأتي بيانها على نحوٍ مفصّلٍ:[٧]

  • ذهب فقهاء الحنفية إلى أنّ إيقاع الطلاق مباح؛ مستندين في ذلك إلى عددٍ من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية؛ فكان دليلهم من القرآن قول الله تعالى: (لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً)،[٨] وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ)،[٩] كما أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- طلّق أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، ولم يكن سبب الطلاق الفاحشة أو الكبر.
  • ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى أنّ إيقاع الطلاق جائز شرعاً، ولكنّ الأولى عدم ارتكابه، وأنّه تعتريه الأحكام التكليفية الأربعة؛ الحرام، والمكروه، والواجب، والمندوب؛ فيكون الطلاق حراماً إذا علم الزوج أنّه إذا طلّق زوجته سيقع في الزنا بسبب تعلّقه بها، أو لعدم قدرة الزوج على الزواج بغيرها، ويكون الطلاق محرّماً أيضاً إذا وقع في الحيض أو النفاس، أو في طهرٍ وطئ زوجته فيه، وهو ما يطلق عليه الفقهاء الطلاق البدعي، ويكون الطلاق مكروهاً في حالة كان للزوج رغبةً في الزواج، أو أنّ مقصده من الزواج إيجاد النسل، أو إذا لم يقطعه بقاء زوجته عن عبادةٍ واجبةٍ، أو أنّه لا يخشى الوقوع في الزنا إذا فارق زوجته، ويكره الطلاق في حالة عدم وجود حاجةٍ إليه، ويكون الطلاق واجباً إذا علم الزوج أن بقاء زوجته معه يوقعه في محرّمٍ، ويكون الطلاق واجباً أيضاً في حقّ من حلف يمين الإيلاء بعد مضي أربعة أشهرٍ من عدم التكفير عن اليمين أو عدم وطء الزوجة، ويكون الطلاق مندوباً أو مستحباً إذا كانت الزوجة امرأة بذيئة اللسان، ويخاف منها أن يقع الزوج في الحرام إن بقيت عنده، ويستحبّ الطلاق إذا فرّطت الزوجة في حقوق الله -تعالى- الواجبة؛ مثل: الصلاة وغيرها، ويستحبّ الطلاق أيضاً إذا كانت المرأة غير عفيفة، أو لحصول الضرر للزوجة إن بقي النكاح.

حكمة مشروعية الطلاق

إنّ لمشروعية الطلاق في الإسلام حكماً عديدةً، أهمّها:[١٠]

  • تحقيق المصلحة لكلٍّ من طرفي العلاقة الزوجية؛ ومثال ذلك: أن يكون الزوج طالباً للنسل مع عدم قدرة زوجته على الإنجاب، كأن تكون عقيماً، وقد لا يستطيع الزوج الجمع بين زوجتين والإنفاق على كلتيهما، أو إرادة الزوجة للنسل مع وجود مرض عند الزوج يمنعه من الإنجاب والزوجة تتوق إلى النسل؛ ففي مثل هذه الحالة يكون الطلاق فيه مصلحةً لكلا الزوجين.
  • الوقاية من الأمراض في حالة يكون فيها أحد الزوجين مصاباً بمرض لا يُستطاع معه دوام العشرة، أو قد يكون المرض من الأمراض المُعدية، ممّا يؤدي إلى تحوّل الحياة بين الزوجين إلى النفور والخصام.
  • أن يكون الزوج لا يستطيع النفقة بحيث تتضرّر الزوجة من ذلك، وخاصةً في حالة عدم وجود مورد للزوجة، واعتمادها على مورد الزوج في النفقة فقط.
  • النفور القلبي بين الزوجين بحيث لا يستطيع كلاً منهما أو أحدهما الاستراحة إلى معاشرة الآخر، فيكون التفريق هو الحلّ.
  • أن يكون أحد الزوجين سيء العشرة، ولا يستطاع التقويم إلّا بالتفريق بينهما عن طريق الطلاق.

المراجع

  1. ↑ سورة الروم، آية: 21.
  2. ↑ سورة النساء، آية: 130.
  3. ↑ سورة النساء، آية: 34.
  4. ↑ د. عبد الرحمن الصابوني (1968)، مدى حرية الزوجين في الطلاق في الشريعة الاسلامية (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الفكر، صفحة 9-11. بتصرّف.
  5. ↑ ابن فارس (1979)، مقاييس اللغة، بيروت: دار الفكر، صفحة 420-421، جزء 3. بتصرّف.
  6. ↑ وفاء معتوق حمزة فراش (1985)، آثار الطلاق المعنوية والمالية في الفقه الإسلامي، السعودية: جامعة أم القرى، صفحة 8-12. بتصرّف.
  7. ↑ د. وهبة بن مصطفى الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا: دار الفكر، صفحة 6879-6880، جزء 9. بتصرّف.
  8. ↑ سورة البقرة، آية: 236.
  9. ↑ سورة الطلاق، آية: 1.
  10. ↑ اسماء عبد الله طباسي (2009)، أحكام التفويض في الطلاق في الفقه الإسلامي، فلسطين: الجامعة الاسلامية- غزة، صفحة 16. بتصرّف.