آثار رحمة الله بعباده

آثار رحمة الله بعباده
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

رحمة الله تعالى

تعدّدت أسماء الله عزّ وجلّ، ومن أسمائه: الرحمن والرحيم، ومن صفاته التي اتصف بها صفة الله -عزّ وجلّ- الرحمة، حيث شملت رحمته جميع مخلوقاته، فالرحمن متعلّق به سبحانه، وفيه دلالةٌ على أنّ الرحمة صفته الذاتية، أمّا الرحيم فهو اسم لله الذي يدلّ على صفته الفعلية؛ فالله رحيمٌ بعباده، والرحمن هو الموصوف بالرحمة، والرحيم هو الذي يرحم بالرحمة التي اتصف بها، حيث ورد ذكر اسم الله الرحمن في القرآن الكريم سبعاً وخمسين مرةً، وورد اسم الله الرحيم مئةً وأربعة عشر مرةً، وما ذلك العدد إلّا تأكيداً على اتصاف الله بالرحمة، واتساع رحمته بعباده، وهناك فرقٌ بين اتصاف الله بالرحمة، واتصاف عباده بها، فالله الكامل الذي تجلّى الكمال في رحمته، بخلاف صفة الرحمة في عباده، والتي يعتريها النقص والعجز، فشملت رحمته كلّ ما خلق من الإنس والجنّ، والحيوان، والملائكة، وغيرها ممّا خلق، ومن أبرز ما يدلّ على واسع رحمة الله بعباده الإحسان إليهم، فمن أكثر العباد الذين يحظون برحمة الله هم الذين يحرصون على فعل ما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه، وهم الذين إذا ما زيّن لهم الشيطان المعصية فوقعوا فيها يسارعون إلى التوبة، وأبعد الناس عن رحمة الله هم الذين يخضعون لأهوائهم وشهواتهم، ويقومون بارتكاب نواهيه، فبقدر حرص الإنسان على الالتزام بأوامر الله، وقربه منه ينال من رحمة الله، وبقدر ابتعاده عن شريعة الله يبتعد عن رحمته.[1]

آثار رحمة الله تعالى بعباده

لا بدّ أن تتحقق العديد من الثمرات والآثار عند من يؤمن أنّ الله قد اتصف بصفة الرحمة، ومن هذه الآثار:[2]

  • على قدر اتصاف العبد بخلق الرحمة يرتفع قدره عند الله تعالى؛ فقد كان الأنبياء أرحم الناس بأممهم، وأجلّهم النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، حتى وُصفت رسالته أنّها رحمةً للعالمين، فقد كان خُلق الرحمة ظاهراً فيه في أشدّ مواقف إيذاء أعداؤه له، ويحصل المؤمن بالقدر الأكبر من الرحمة على قدر اتّباعه لنهج رسول الله، ومن أولى الناس بالرحمة هم الوالدين، ثمّ ضعفاء المسلمين.
  • تفتح الرحمة أبواب الأمل والرجاء، وتُعين على القيام بالأعمال الصالحة، وتُشعر المسلم بالأمن والأمان، فقد سبقت رحمة الله غضبه، ومع ذلك فلم يجعل في الدنيا إلّا القليل من رحمته، فقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللهَ خلق الرَّحمةَ يومَ خلقها مائةَ رحمةٍ، فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمةً، وأرسل في خلقِه كلِّهم رحمةً واحدةً ، فلو يعلمُ الكافرُ بكلِّ الَّذي عند اللهِ من الرَّحمةِ لم ييْئسْ من الجنَّةِ، ولو يعلمُ المؤمنُ بكلِّ الَّذي عند اللهِ من العذابِ لم يأمَنْ من النَّارِ).[3]
  • الرحمة بالمخطئين والأخذ بأيديهم نحو الصواب باللطف، والنظر إليهم بعين الرحمة، ومعاملتهم معاملة الرحماء، وتجنب الكبر والازدراء.
  • إنّ المؤمن بكلّ عملٍ يقوم به ممّا يقرّبه من الله من الأعمال الصالحة، أو يتجنّب به ما نهى الله عنه، متطلّعٌ إلى رحمة الله، مراقب لله في كل أحواله، ومع ذلك فهو في محاولةٍ مستمرةٍ للتقرّب من الله تعالى.
  • إعراض المؤمن عن كلّ ما سوى الله عزّ وجلّ، فتتعدل جميع تصرفاته، ويتصل مع خالقه الغني القوي، الذي يستغني به عن كلّ ما سواه.

أسباب رحمة الله

لا يمكن إحصاء رحمة الله -تعالى- عدداً؛ لأنّها من نعمه التي لا تُحصى ولا تعدّ، فقد قال الله تعالى: (وَإِن تَعُدّوا نِعمَتَ اللَّـهِ لا تُحصوها إِنَّ الإِنسانَ لَظَلومٌ كَفّارٌ)،[4] وممّا يترتب على ذلك أسباب وقوع الرحمة من الله على عباده، وفيما يأتي بيانٌ لتلك الأسباب:[5]

  • القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وطاعة الله، ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، فقد قال الله تعالى: (وَالمُؤمِنونَ وَالمُؤمِناتُ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ يَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤتونَ الزَّكاةَ وَيُطيعونَ اللَّـهَ وَرَسولَهُ أُولـئِكَ سَيَرحَمُهُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ عَزيزٌ حَكيمٌ).[6]
  • الإيمان بالله والاعتصام به؛ فمن يعتصم بالله يهبه رحمةً تُغنيه عن كلّ ما سواه.
  • تقوى الله -عزّ وجلّ- في السرّ والعلن، حيث قال الله تعالى: (وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ فَسَأَكتُبُها لِلَّذينَ يَتَّقونَ وَيُؤتونَ الزَّكاةَ وَالَّذينَ هُم بِآياتِنا يُؤمِنونَ)،[7] فذكرت الآية صفة التقوى واستشعار مخافة الله، فيتخذ المسلم بينه وبين الشرّ وقايةً، فيهذّب نفسه بالعبادات التي تتجلّى فيها استشعار خشية الله.
  • الاستماع لآيات القرآن الكريم والإنصات لها؛ فقد جاء في القرآن وصفاً عنه أنه هدىً ورحمة للمؤمنين، فالتلاوة الخاشعة للقرآن تفيض رحمةً على القارئ والمستمع، وقد جاء في القرآن قول الله تعالى: (وَإِذا قُرِئَ القُرآنُ فَاستَمِعوا لَهُ وَأَنصِتوا لَعَلَّكُم تُرحَمونَ).[8]
  • قيام الليل؛ فإنه يظهر الفرق بين المؤمن والكافر، فالقيام يكون بين الأمل والرجاء لرحمة الله تعالى، وبين الخوف من عذاب الله وعقابه، ورجاء الرحمة لا يمكن أن يكون بمجرد التمنّي؛ بل لا بدّ فيه من العمل.
  • إصلاح ذات البين؛ ورد ذلك في قول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).[9]
  • الصبر على حكم الله؛ فالمسلم لا يقنط ولا يجزع ممّا ابتلاه الله به، ومن ثمّ فهو يرضى بما قدّره الله له.
  • الهجرة والجهاد في سبيل الله؛ وذلك من أجل رفع راية الإسلام، فمن بذل روحه في سبيل إعلاء كلمة الله أثابهم الله برحمته، ويدخل في ذلك الموت في سبيل الله أيضاً.

المراجع

  1. ↑ إبراهيم الحقيل (6-9-2007)، "رحمة الله تعالى"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2018. بتصرّف.
  2. ↑ ماجد الصغير ، "آثار صفة الرحمة"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2018. بتصرّف.
  3. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6469، صحيح.
  4. ↑ سورة إبراهيم، آية: 34.
  5. ↑ عبد الفتاح خضر (4-7-2016)، "رحمة الله تعالى بعباده: أسبابها وآثارها في ضوء القرآن الكريم (PDF)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-12-2018. بتصرّف.
  6. ↑ سورة التوبة، آية: 71.
  7. ↑ سورة الأعراف، آية: 156.
  8. ↑ سورة الأعراف، آية: 204.
  9. ↑ سورة الحجرات، آية: 10.