الصفات الخُلقية للرسول صلى الله عليه وسلم
أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم
شهد الله -تعالى- على عِظم أخلاق الرسول -عليه الصلاة والسلام- في القرآن الكريم، حيث قال واصفاً إياه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)،[1] وقد وصف الصحابة -رضي الله عنهم- عِظم أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيّنوا أنه كان أحسن الناس خلقاً، مصداقاً لما رُوي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسنُ الناسِ خُلُقًا)،[2] بالإضافة إلى ما رُوي عن صفية بنت حيي -رضي الله عنها- أنها قالت: (ما رأيت أحدًا أحسنَ خلُقًا من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم).[3][4]
ولما سُئِلت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن أخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: (كان خلقُه القرآنَ)،[5] ويدل قول أم المؤمنين أن أخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت الالتزام بما أمر الله -تعالى- به في القرآن الكريم، واجتناب ما نهى عنه، والتحلي بالأخلاق الحميدة التي مدح الله -تعالى- أصحابها، والبعد عن الأخلاق التي ذمّ أهلها، كما قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: (ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجيةً له وخلقاً... فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه، هذا ما جبله الله عليه من الخُلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خُلقٍ جميل).[4]
الصفات الخلقية للرسول صلى الله عليه وسلم
الصدق
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثالاً يُقتدى به في الصدق، فقد كان معروفاً بهذه الصفة في قريش، ولم يستطع أحد منهم إنكارها، وكان يُدعى بينهم بالصادق الأمين، فعلى الرغم من عداوة أبي سفيان الشديدة له في بداية الدعوة؛ إلا أنه لم يستطع أن يخفي هذه الصفة، حيث سأله هرقل عن صفات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلا: (هَل كُنتُم تَتَّهِمونَه بِالكَذبِ قَبل أنْ يَقولَ ما قال؟ فزَعمتَ -أي أبو سفيان- أنْ لا، فعرَفتُ -أي هرقل- أنَّه لَم يَكُنْ لِيدَعَ الكَذِبَ على النَّاسِ، ثُمَّ يَذهَبَ فيَكذِبَ على اللهِ)،[6] وقد لا يستع المقام لذكر كل المواقف والأقوال التي تدل على أن الصدق من الصفات الخلقية المتأصّلة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن نذكر منها أنه لما صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الصفا، وأخذ ينادي في بطون قريش عندما أمره الله بدعوة أقاربه، فاجتمعت قريش، فقال النبي: (أَرَأَيْتَكم لو أَخْبَرْتُكم أن خيلًا بالوادي تريدُ أن تُغِيرَ عليكم أَكُنْتُم مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: نعم، ما جَرَّبْنَا عليك إلا صدقًا).[7][8]
الشجاعة
ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة بالشجاعة، وقوة الإرادة، والعزيمة، ومن المواقف التي تدل على أن الشجاعة من صفات النبي -عليه الصلاة والسلام- الخُلقية، نصرته للمظلوم ووقوفه في وجه الظالم، على رغم من قسوة الظَلَمة في ذلك الوقت بالتحديد، وتكالبهم ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد رُوي أن رجلاً من إراش جاء إلى مكة ومعه إبل يريد أن يتاجر بها، فاشتراها منه أبو جهل، ثم ماطله في دفع ثمنها، ولما طال الوقت ولم يدفع أبوجهل المال، استغاث الرجل بأهل مكة ليردّوا له مظلمته، فلم يغيثه أحد، فالكل يخشى بطش أبوجهل وقوّته، ثم أشار بعض رجال قريش على الرجل بأن يستغيث بمحمد صلى الله عليه وسلم، وما فعلوا ذلك إلا استهزاءً، حيث إنهم يعلمون العداوة التي بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي جهل.[9]
فذهب الرجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: (يا عبد الله، إنَّ أبا الحكم بن هشام قد غَلَبَني على حقٍّ لي قِبَلَه، وأنا رجل غريب، ابن سبيل، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤدِّيني عليه، يأخذ لي حَقِّي منه، فأشاروا لي إليك، فَخُذ لي حَقِّي منه)، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه الرجل وتوجّه إلى دار أبي جهل وطرق عليه الباب، فقال: من هذا؟ فأجابه، ثم طلب منه الخروج إليه، فخرج أبو جهل مسرعاً قد انتقع لونه من الخوف، فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن يعيد للرجل حقه، فقال: (نعم، لا تبرح حتى أعطيه الذي له)، فدخل مسرعاً وخرج بحق الرجل، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحق الإراشي بقومه.[9]
الحياء
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد الناس حياءً، وقد وصف الصحابة رضي الله عنهم حياء النبي -عليه الصلاة والسلام- بأنه أشد من حياء الفتاة في بيت أهلها، حيث قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أشَدَّ حَياءً مِن العَذْراءِ في خِدْرِها)،[10] ومن المواقف التي تدل على أن الحياء من الصفات الخُلقية المتأصّلة في شخصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حياؤه من الله عز وجل، وذلك لمّا أشار عليه موسى -عليه السلام- بالرجوع إلى ربه -سبحانه وتعالى- في مسألة تخفيف الصلاة في ليلة الإسراء والمعراج، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لموسى عليه السلام: (قد استحييتُ من رَبّى)،[11] ومن المواقف التي دلّت على حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن قصة زواج النبي -عليه الصلاة والسلام- من زينب بنت جحش رضي الله عنها، حيث تفرق أكثر الصحابة -رضي الله عنهم- بعد تناولهم الطعام في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي ثلاثة منهم يتبادلون الحديث، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يرغب بخروجهم، ولكن حياءه منعه من إشعارهم بشيء من ذلك، وتركهم يُكملون ما هم فيه، حتى تولى الله -عز وجل- بيان ذلك، فأُنزل قوله تعالى: (فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّـهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ).[12][13]
المراجع
- ↑ سورة القلم، آية: 4.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 6203، صحيح.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في فتح الباري لابن حجر، عن صفية بنت حيي، الصفحة أو الرقم: 665/6، إسناده حسن.
- ^ أ ب "من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-1-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4811، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سفيان بن حرب، الصفحة أو الرقم: 4553، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4770، صحيح.
- ↑ "صدق النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رابط المادة: http://iswy.co/e11jkj"، www.ar.islamway.net، 8-3-2014، اطّلع عليه بتاريخ 31-1-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم - (10) خُلق الشجاعة"، www.ar.islamway.net، 2015-02-28، اطّلع عليه بتاريخ 31-1-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 3562، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عباس و أبو حبة البدري، الصفحة أو الرقم: 4199، صحيح.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 53.
- ↑ "حياء النبي صلى الله عليه وسلم"، 8-4-2002K www.articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-1-2019. بتصرّف.