كان أبو عبيدة من السابقين الأولين إلى الإسلام، وممن جمع القرآن، وهو من أحب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أنَّه شهد له بالجنة، وأَطلق عليه لقب أمين هذه الأمة؛ حيث جاء أهل نجران إلى النبي، وطلبوا منه أن يُرسِل إليهم واحداً، فقال عليه الصلاة والسلام: (لأبعثَنَّ إليكم رجلًا أمينًا حقَّ أمينٍ).[١]فتحمّس الصحابة رضوان الله عليهم يُريدون أن يبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم، ليس محبة بالإمارة بل لينطبق عليهم صفة قول الرسول، وكان سيدنا عمر رضي الله عنه من أولئك الذين كانوا حريصين على الفوز بهذه الصفة، إلا أنه عليه الصلاة والسلام فضّل أبا عبيدة على جميع الصحابة وقال: (قُمْ يا أبا عبيدةِ).[٢]وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لكلِّ أمَّةٍ أمينٌ ، وأمينُ هذه الأمَّةِ أبو عبيدةَ بنُ الجراحِ).[٣]كما أنَّ لأبي عبيدة مكانة مرموقة عند سيدنا عمر رضي الله عنه.[٤]
أرسل الرسول عليه السلام أبا عبيدة مع نصارى نجران مرشداً ومعلماً لهم، كما أنه جعله أميراً على سرية عدد جيشها ثلاثمئة، وجعل معهم كمية من التمر زاداً لهم، ولكنه كان قليلاً بالنسبة لعدد الجيش، فجعل أبو عبيدة يُوزّع التمر على الرجال تمرة تمرة، بحيث تكفي الواحد منهم اليوم كله، ولما وصلوا إلى ساحل البحر، رزقهم الله حوتاً من الحيتان، جعلوا يأكلون منه حتى تحسّنت أحوالهم، وتُعرف هذه الغزوة بغزوة سيف البحر، وعيّنه سيدنا عمر بن الخطاب على الجيوش الإسلامة في الشام بدلاً من خالد بن الوليد، وعلى يديه توالت الفتوحات.[٥]
كان أبو عبيدة أميناً وقائداً بحقّ، يُدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ثابتاً شجاعاً لا يخاف، فعندما أُصيب رسول الله في وجهه، جاء مُسرعاً إليه أبو بكرالصديق رضي الله عنه وأبو عبيدة بن الجراح، فاستحلف أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أبا بكر الصديق بأن ينزع هو الحلقتين من وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالفعل نزع بإحدى ثنيتيه الحلقة الأولى، فسقط على ظهره، وسقطت ثنيته، ثمَّ نزع الحلقة الثانية بثنيته الأخرى، وسقطت أيضاً، فصار أبو عبيدة رضي الله عنه أثرم، وكان أبو عبيدة أيضاً يَستشير جنوده في كل خطوة يخطوها، كما أنه كان زاهداً.[٦]