حكاية الشاطر حسن

حكاية الشاطر حسن
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

الحكايات

الحكاية هي عبارة عن قصة مروية، وتتميّز بأنها تستند إلى المخيلة بشكل أساسي، وإلى القدرات الجبارة، والخارقة لأبطالها، وتتناول العديد من المواضيع مثل: الموت، والحياة، والغنى، والفقر، بهدف ترسيخ بعض الحكم، والقيم الأخلاقية، وكذلك بهدف التسلية والترفيه، ومن أشهر الأمثلة على الحكايات في التراث العربي حكاية الشاطر حسن التي سنعرفكم عليها في هذا المقال.

حكاية الشاطر حسن

يُحكى أنه كان هناك تاجر غني يعيش وحيداً مع له ابنه حسن الذي عُرف عنه تميّزه بالذكاء والفطنة؛ فلما أحسّ التاجر بدنو أجله، استدعى ابنه وقال له: (يا بنيّ ‍ إني أشعر بقرب أجلي، وأنا أهبك كل مالي الذي أملك، قصري الجميل هذا بغرفة الأربعين، وإليك مفاتيحها، ولكن أطلب منك إلا تفتح الغرفة رقم أربعين، لأنّ ذلك سيجر عليك المتاعب والمصائب).

بعد أن مات التاجر حزن عليه ولده، فدفنه، وعاد إلى القصر، فمكث فيه وحيداً، واستمرّ على حاله لعدّة أيام، إلى أن خطر في باله أن يفتح غرف القصر، فبدا بها الواحدة تلو الأخرى، فرأى فيها الكثير من الذهب والفضة والمجوهرات، فلما وصل الغرفة الأربعين وقف أمامها متردد، ولكنه قرّر أن يفتحها، وقال في نفسه: سأفتحها مهما كان من أمرها.

وضع حسن المفتاح في الباب ويداه ترتجفان، ولكن كانت المفاجأة عندما دخل؛ إذ إنه لم يجد سوى طاولة صغيرة عليها كوب من الماء يحتوي على شعرة طويلة تضيء كأنها شمعة، فوقف عندها وقال في نفسه: ترى من رأس أي امرأة هذه الشعرة.

كانت هذه الغرفة تطل على قصر الملك، وبينما كان الملك يسير مع وزيره في القصر لاحظ الضوء المنبعث من الغرفة، وعندما أمعن في النظر رأى حسن يحمل شيء يضيء في يده، فأمر وزيره أن يأتي به، وبالشيء الذي كان يحمله، فذهب الوزير إليه وطلب منه الشيء الذي كان معه، ولكن حسن رفض أن يعطيه إياه، فما كان من الوزير إلا أن غضب وهدّد حسن بأنّه سوف يقتله، فطلب منه حسن أن يمهله فترة من الزمن بينما يفكر في الموضوع، فوافق الوزير، وما كان من حسن إلا أن دفعه، وفرّ هارباً بالحصان الذي تركه له والده، حاملاً معه الكوب والشعرة.

انطلق حسن بالحصان؛ الذي كان من ملوك الجان؛ ولكن حسن لم يكن يعرف ذلك، فلما نزل عن الحصان، وكانت تظهر عليه علامات الحزن، سأله الحصان: ما الذي يحزنك؟ فزع حسن من الأمر وبدت عليه علامات الخوف، فأخبره الحصان بأمره، فنصحه الحصان أن يعطي الكوب للوزير ولا يخاف، فذهب حسن للوزير وأعطاه الكوب، فأخذه الوزير إلى الملك، فلما رأى الملك النور الذي ينبعث من الشعر، فقال الملك: إن كان هذه النور ينبعث من هذه الشعرة، فكيف تكون صاحبتها؟ فأمر حراسه بالبحث عنها، وإحضارها، فقال الوزير: لا بّد أن يكون حسن يعرف من تكون هذه الفتاة، فعلينا أن نطلب إليه أن يأتينا بها وإلا قتلناه، فوافق الملك على رأي وزيره.

ذهب الوزير إلى حسن وقال له: إن الملك يريد صاحبة الشعرة، فإن لم تأته بها فسوف يقتلك، حاول حسن إقناع الوزير بأنّه لا يعرفها، ولكنه لم يصدقه، وأمهله مدّة قصيرة حتى يأتي بها، فذهب حسن إلى الحصان مذعوراً، وأخبره بطلب الملك، فقال له الحصان: لا تخف سأعلمك كيف تنتقم من الوزير، وكيف تأتي بصاحبة الشعرة، فقال له الحصان: اذهب إلى الملك واطلب منه أن يجهز لك سفينة محملة بالذهب والفضة من صندوق الوزير، وقل له بأنّ طلبك لا يمكن تحقيقه إلا بهذه الطريقة، وعندما يجهز لك هذه السفينة انطلق بها إلى أوّل شاطئ يطل عليك، فترسو هناك وتعرض ما فيها على الناس، فيأتي إليك رجل أسود، وشفتاه غليظتان، ومعه فتاة جميلة كالقمر، فإذا أرادا الصعود إلى السفينة فاصعد الفتاة وحدها، وانطلق بالسفينة إلى البحر، وتوجّه بها إلى الملك فوراً.

ذهب حسن إلى الشاطئ بعد أن أعطاه الملك السفينة، وفعل ما أشار به الحصان، ولكن الفتاة عندما رأت نفسها في السفينة غضبت، ونزعت خاتمها من يدها، ورمته في البحر، لما وصلا ذهب حسن إلى بيته يحمل معه الفتاة، ثمّ توجه إلى الملك يخبره بذلك، فطلب الملك أن يرى الفتاة، ولكنها رفضت أن تراه إلا بشرط، وهو أن يأمر الملك حسن بإحضار خاتمها الذي سقط منها في البحر، فأمر الملك حسن بإحضار الخاتم، وهدّده بالقتل إن لم يفعل.

ذهب حسن إلى الحصان مهموماً، وأخبره بما حصل، فقال له الحصان: لا تخف، أطلب من الحصان أن يجهز لك قارباً مملوءاً بالأطعمة الفاخرة من مال الوزير، ثمّ خذه واذهب إلى عرض البحر، وانتظر ما يحدث.

فعل حسن الأمر الذي طلبه منه الحصان، فوقف في عرض البحر وانتظر، وما هي إلا لحظات حتى بدأت الطيور تأكل من الطعام، وصعدت الأسماك أيضاً كي تأكل، فقالت سمكة: من فعل هذا المعروف مهنا، فأجابها حسن: أنا، فقالت وماذا تريد مقابل ذلك، فأخبرها بأمر الخاتم، فذهبت إلى قاع البحر تبحث عنه، ووجدته، ثمّ ذهبت إلى حسن، وأعطته إياه، فأسرع به إلى الفتاة، ووضعته في إصبعها.

مع أن حسن أحضر للفتاة الخاتم، إلا أنها رفضت أن تتوجّه إلى الملك، وطلبت منه أن يأمر حسن أن يحضر لها غرفتها من قصر أبيها، فلطم حسن وجهه عندما أخبره الوزير بذلك، فذهب إلى الحصان بطلب منه المساعدة، فقال له الحصان: لا تخف، واطلب من الوزير أن يملأ لك قارب من التحف النفيسة من كيس الوزير، واذهب بالقارب إلى الشاطئ الذي خطفت به الفتاة، سيأتيك الرجل الأسود الذي خطفت الفتاة منه، ويسألك عنها، اقطع رأسه، واحمله على رأسك، وبذلك تنطلق الغرفة من القصر، وتأتيك، فعمل حسن ما أشار به الحصان، وجاءت الغرفة إلى حديقة الملك، ومع ذلك رفضت الفتاة أن ترى الملك، وطلبت منه أن يحرق حسن كي تراه، فذعر حسن عندما سمع ما قالته، وندم على مخالفة أمر والده، وطلب من الملك أن يمهله يوماً حتى يودع أصدقاءه، فلم يجد حسن ملجأً إلا الحصان، فأخبره بما حصل، فقال الحصان: فقال له: لا تخف، اركب على ظهري، واتركني حتى أعرق وأتعب، فاجمع عرقي، وضعه في ماء ساخن، واغسل نفسك فيه، واذهب وسلم نفسك للحرق، ففعل حسن ذلك.

جمع الملك أهل المدينة، وأشعل نار عظيمة، ووضع حسن فيها، فلم يحترق، فدهش الناس، واستدى الملك حسن لكي يسأله عن السر، فأراد حسن أن ينتقم منه ومن وزيره فقال: لقد حماني أسلافكم، أتوا إلى النار وحموني، وهم غاضبون منكم، ولا يرضون إلا أن تضعوا أنفسكم في نار عظيمة ثمّ يأتون وينقذونكم، أمر الملك بإشعال النار، ودخل هو والوزير، فاحترقا وماتا، فلما رأى الناس أن حسن نجا من الحريق بينما احترق الملك والوزير ظنّ الناس بأنّ حسن صدّيق.

دعا حسن الفتاة وخيرها بين أن تبقى معه أو أن تعود إلى بلادها، فأجابته أنها تريد البقاء معه، فذهب حسن إلى الحصان يسأله ماذا يصنع له حتى يكافأه، فأجابه الحصان: أن تطلقني من قيدي هذا لأعود ملكاً من ملوك الجن كما كنت، فسأله حسن: وكيف أفعل ذلك؟ فأجابه الحصان: بأن تخلع عني رسني من عنقي وتحرقه، فأعود كما كنت، فعل حسن ذلك، وإذا بالحصان يختفي، ويضرب بقدميه في الأرض، ويودعه، فطار إلى مملكته في وادي الجن.