زوجة سيدنا يوسف

زوجة سيدنا يوسف

قصة يوسف مع زوجة العزيز

بدأت قصة يوسف -عليه السّلام- مع زوجة العزيز عندما أُحضر طفلاً إلى قصرها، فطلبت من زوجها أنْ يتبنّاه؛ ليكون لها بمثابه الولد، إذْ لم تنجب من زوجها، كما قال الله تعالى: (وَقالَ الَّذِي اشتَراهُ مِن مِصرَ لِامرَأَتِهِ أَكرِمي مَثواهُ عَسى أَن يَنفَعَنا أَو نَتَّخِذَهُ وَلَدًا)،[1] وهكذا قضى يوسف -عليه السّلام- فترة طفولته في بيت العزيز ومشاعر زوجة العزيز نحوه كطفلٍ لها يؤنس بيتها، وبقيت هذه المشاعر كما هي، إلى أنْ بلغ يوسف -عليه السّلام- أشُدّه، وبدت عليه ملامح الشباب والقوّة، وآتاه الله -تعالى- جمالاً يسرق الألباب، ويأسر القلوب، وسرعان ما فُتنت زوجة العزيز بهذا الجمال، وتحوّلت مشاعرها تجاه يوسف -عليه السّلام- حبّاً وعشقاً، ودارت معركة بين قلبها الذي تعلّق بيوسف عليه السّلام، وبين عقلها الذي كان يذكّرها بمكانتها في مجتمعها؛ إذ كانت زوجة عزيز مصر، ويوسف مجرّد غلام في قصرها، ولكنّها ضعفت لفتنة الشهوة الجامحة التي اشتعلت في قلبها بسبب عشقها ليوسف -عليه السّلام- وقربه منها، حيث كان في قصرها، بالإضافة إلى فتور نار الحب في قلب زوجها، الذي كان قد بلغ الشيخوخة، فدبّرت للخلوة بيوسف عليه السّلام، وتجهّزت لذلك؛ فزيّنت نفسها، وتعطّرت، وتجمّلت، وانتظرت اللحظة المناسبة، فلمّا جاء يوسف عليه السّلام، قامت له بثيابها الفاتنة وجمالها، وأغلقت الأبواب حتى يطمئن يوسف، ولتأكّد مرادها، وقالت له أنت في مأمنٍ، من غير رقيبٍ ولا حسيبٍ، وأنا راغبةً فيك فتعال إليّ، فما كان من يوسف -عليه السّلام- العفيف الطاهر إلّا أن رفض ذلك بشكلٍ قاطعٍ وردّ بالاستعاذة بالله من أنْ يخون مَن أحسن إليه، واستأمنه على عِرضه وشرفه، فخلّد الله تعالى هذا الموقف العظيم في كتابه العزيز، حيث قال: (وَراوَدَتهُ الَّتي هُوَ في بَيتِها عَن نَفسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبوابَ وَقالَت هَيتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبّي أَحسَنَ مَثوايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظّالِمونَ)،[2] ولكنّ هذا الموقف العظيم والكلام الصّادق، لم يجد أُذناً صاغيةً عند تلك المرأة العاشقة، فاستمرّت في محاولتها، ولكنّ العناية الربانيّة تدخّلت لحماية يوسف عليه السّلام، فلمّا رأى بُرهان ربه ولّى من نار الشهوة هارباً نحو الباب لعلّه يجد ملجأً، فلحقت به، وأمسكت بقميصه، وفي هذه الأثناء دخل عزيز مصر من الباب ليشاهد الموقف، فاستخدمت كيدها لتحمي نفسها مِن العقاب، كما قال الله تعالى: (وَاستَبَقَا البابَ وَقَدَّت قَميصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلفَيا سَيِّدَها لَدَى البابِ قالَت ما جَزاءُ مَن أَرادَ بِأَهلِكَ سوءًا إِلّا أَن يُسجَنَ أَو عَذابٌ أَليم)،[3] فدافع يوسف عن نفسه، ونفى التهمة الموجهة إليه، فوقف العزيز حائراً لا يريد التعجّل في الحكم، وبينما هو كذلك إذ حصلت معجزةً من عند الله تعالى، دلّت على براءة يوسف، فظهر الحقّ للعزيز، ولكنّه اكتفى بطلب السكوت من يوسف عليه السّلام، وعدم ذكر الأمر لأحدٍ من الناس.[4]

زوجة يوسف عليه السلام

لم يرد في القرآن الكريم أي ذِكرٍ لزواج يوسف عليه السّلام، وكذلك الأمر بالنسبة لزوجته، وكذلك الأمر في السّنة النبوية الشريفة، ولكن ذكر أحد علماء التاريخ وهو محمد بن إسحاق، والأغلب أنّ ابن إسحاق قد أخذ القصة عن أهل الكتاب، كما ذكر ابن القيم -رحمه الله- في الباب السابع والعشرين فيمن ترك محبوبه حرماً، فبُذِلَ له حلالاً، ثمّ بيّن أنّه لما ترك يوسف -عليه السّلام- الفاحشة، واستحبّ السجن عليها، أبدله الله -تعالى- ضيق السّجن بالتمكين في الأرض، وظهور الحقّ، وزواجه من امرأة العزيز، ثمّ عقّب ابن القيم قائلاً: (وهذا لا يعني القطع بثبوت هذه القصة، بل الظاهر أنّها مأخوذةً عن أهل الكتاب، وقد أُمرنا بعدم تصديقهم وعدم تكذيبهم أيضاً)، واستدلّ ابن القيم بقول النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: (لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم، وقولوا: آمنّا بالله وما أَنزل إلينا وما أُنزل)،[5] وقد روى محمد بن إسحاق أنّ يوسف -عليه السلام- تزوّج من راحيل امرأة العزيز، وكان ذلك بعد خروج يوسف -عليه السّلام- من السّجن، وطلبه من الملك أن يجعله على خزائن الأرض، كما قال الله -تعالى- على لسان يوسف: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ )،[6] فلبّى الملك الريان بن الوليد طلب يوسف عليه السّلام، وقام بعزل إطفير من منصبه، وولّى يوسف -عليه السّلام- مكانه، كما قال الله تعالى: (وَكَذلِكَ مَكَّنّا لِيوسُفَ فِي الأَرضِ يَتَبَوَّأُ مِنها حَيثُ يَشاءُ نُصيبُ بِرَحمَتِنا مَن نَشاءُ وَلا نُضيعُ أَجرَ المُحسِنينَ)،[7] وبعد هذه الحادثة بأيامٍ مات إطفير، وقام الملك بتزّويج يوسف -عليه السّلام- من راحيل زوجة إطفير، ويقول محمد بن إسحاق أنّه ذُكر له: (أنّه عندما دخلت راحيل على يوسف -عليه السلام- قال لها: أليس هذا خيراً مما كنت تريدين؟ فقالت: أيّها الصدّيق، لا تَلمني، فإنّي كنت امرأة كما ترى حسناً وجمالاً، ناعمةً في مُلكٍ ودنيا، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنتَ كما جعلكَ الله في حسنك وهيئتك، فغلبَتني نفسي على ما رأيت)، ويُقال إنّ يوسف -عليه السّلام- وجدها عذراء، فلمّا أتاها، حملت، وأنجبت له أفرائيم بن يوسف، وميشا بن يوسف، وولد لأفرائيم نون، وهو والد يوشع بن نون، ووالد رحمة زوجة أيوب عليه السّلام.[8]

مقارنة جمال النبي يوسف بجمال النبي محمد

على الرغم من شدّة جمال نبي الله يوسف عليه السّلام، حيث دلّ وصف النساء له على أنّ جماله ليس كجمال البشر، كما قال الله تعالى: (وَقُلنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَرًا إِن هذا إِلّا مَلَكٌ كَريمٌ)،[9] إلّا أنّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- فاقه في الجمال، فقد سُئل البراء أكان وجهُ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مثل السّيف، قال: (لا، بل مثل القمر)، وتجدر الإشارة إلى أنّ يوسف أُعطي شطر الحُسن، كما وصفه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في رحلة الإسراء والمعراج، حيث قال: (فإذا أنا بيوسف عليه الصّلاة والسّلام، وإذا هو قد أُعطي شِطر الحُسن)،[10] ولكنّ محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم- أُعطي الحُسن كلّه، فهو أجمل الأنبياء وأجمل البشر على الإطلاق.[11]

المراجع

  1. ↑ سورة يوسف، آية: 21.
  2. ↑ سورة يوسف، آية: 23.
  3. ↑ سورة يوسف، آية: 25.
  4. ↑ "يوسف وامرأة العزيز"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-7-2018. بتصرّف.
  5. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7362، صحيح.
  6. ↑ سورة يوسف، آية: 55.
  7. ↑ سورة يوسف، آية: 56.
  8. ↑ "هل تزوج يوسف -عليه السّلام- من امرأة العزيز في آخر الأمر؟"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 23-7-2018. بتصرّف.
  9. ↑ سورة يوسف، آية: 31.
  10. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 162، صحيح.
  11. ↑ "محمد صلى الله عليه وسلم هو أحسن الناس وجها"، fatwa.islamweb.net. بتصرّف.