ما أحب الأعمال إلى الله

ما أحب الأعمال إلى الله
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

سعي المسلم لرضا الله

لا يزال المسلم يتقلّب في حياته بين السّراء والضرّاء، الشّدة والفرج، يتطلّع في كلّ الحالات أن يكون عبداً ربانياً يرضي الله -تعالى- في جميع شؤونه، والسّعي لنيل رضا الله -تعالى- هو غايةٌ عظمى، لا تتحقّق في يومٍ أو يومين، بل على الإنسان أن يبقى ثابتاً على هذا الصّراط طوال حياته؛ حتّى يفوز برضاه -جلّ جلاله- ومحبّته، وإنّ مَن يسعى لهذه المرتبة العظيمة عليه أنْ يتحلّى بصفاتٍ وأفعالٍ توصله إلى مراده، أوّلها أن يُداوم على سؤال ربّه -سبحانه- بالتوفيق لما يحبّ ويرضى، ثمّ يسارع إلى أداء المطلوب منه من الفرائض والأعمال الصّالحة، التي يرجو أن تُوصله إلى رضاه سبحانه، وكلّ غايته من ذلك رضا الله وحده لا شريك له، قال الله -تعالى- في وصف حال نبيّه موسى عليه السلام: (وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى*قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)،[1] وقد امتدح الله -تعالى- من همّه رضاه -سبحانه- من أيّ خير يقدّمه قال الله تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا).[2][3]

ومن صفات مَن كان همّه رضا الله -تعالى- اقتفاء أثر أهل رضوان الله سبحانه، ومن ذكرهم الله وأثنى عليهم في كتابه الكريم؛ كأهل الإيمان والعمل الصّالح، كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ*جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)،[4] ومنهم المتّقون لله في سائر أحوالهم، وقد ذكرهم الله -تعالى- في قوله: (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)،[5] ومن صفات المؤمن الرّبانيّ الباحث عن رضا الله دوام شكره لنعم الله -تعالى- عليه؛ وذلك لعلم العبد ما في هذا العمل الفضيل من ثقلٍ في ميزان الله سبحانه، قال تعالى: (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)،[6] وأخرج مسلمٌ في الحديث الصحيح عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قوله: (إن اللهَ ليرضى عن العبدِ أن يأكلَ الأكلةَ فيحمدَه عليها، أو يشربَ الشربةَ فيحمدَه عليها).[7][3]

أحبّ الأعمال إلى الله

إنّ أسمى أهداف المسلم في حياته أنْ يُرضي ربّه -عزّ وجلّ- عنه فيمتثل أوامره، ويجتنب نواهيه، وتلك مرتبةٌ عظيمةٌ رفيعةٌ يحبّها الله -تعالى- في عبده، لكنّ هناك مرتبةً أعلى من امتثال الأوامر واجتناب النّواهي؛ وهي البحث عن أفضل الأعمال التي تُرضي الله تعالى، فيرى العبد وهو يقلّب أعظم الأعمال التي ترفع الدّرجات في الآخرة ليأتيها ويستزيد منها؛ لينال الفضل العظيم يوم الحساب بإذن الله، ولقد خطر هذا الخاطر على قلب صحابة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فسألوه مراراً عن أحبّ الأعمال إلى الله تعالى؛ رغبةً في الإكثار منها وملازمتها، وكان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يجيبهم في كلّ مرةٍ عن مجموعةٍ من الأعمال العظيمة الأجر الثقيلة في ميزان الله سبحانه، ومن الأعمال التي ذكرها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في حديثه إلى صحابته:[8][9]

  • يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (سألتُ النبي صلّى الله عليه وسلّم: أيّ العمل أحبّ إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثمّ أيّ؟ قال: ثمّ برّ الوالدين، قال: ثمّ أيّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله).[10]
  • قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (وإنّ أحبّ العمل إلى الله أدومه وإن قلّ).[11]
  • قال أبو ذر الغَفاريّ رضي الله عنه: (سألتُ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّ العمل أفضل؟ قال: إيمانٌ بالله، وجهادٌ في سبيله، قلتُ: فأيّ الرّقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمناً، وأنفسُها عند أهلها).[12]
  • أمر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أحد الصّحابة عندما سأله أن يوجهه إلى عملٍ عظيمٍ، فأجابه الرسول عليه السّلام: (قال عليك بالصّوم فإنّه لا عِدل له، قلتُ يا رسولَ الله مُرني بعمل، قال: عليكَ بالصّوم فإنّه لا عدلَ له).[13]
  • قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في استحباب صلاة الجماعة وفضلها على الصّلاة على انفراد: (إنّ صلاة الرّجل مع الرّجل، أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرّجلين، أزكى مِن صلاته مع الرّجل، وما هو أكثر فهو أحبّ إلى الله عزّ وجلّ).[14]
  • قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في استحباب النوافل، وتفضيل النّافلة من كلّ عبادة: (أحبّ الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحبّ الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثُلثه، وينام سُدسَه، ويصوم يوماً ويُفطر يوماً).[15]

مراتب تفاضل في الأعمال

تنقسم الأعمال المفروضة والمشروعة في الإسلام إلى درجاتٍ عديدةٍ، يفوق بعضها بعضاً في الأجر والقبول عند الله تعالى، وتكون أولوية البدء بالعمل الصالح بحسب ظروفٍ معينةٍ أحاطت ذلك العمل، ومثال ذلك: أنّ قاضياً عالماً يعلّم الناس أمور دينهم ويقضي بينهم بالحقّ، سمع قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (وإماطةُ الأذى عن الطريقِ صدقةٌ)،[16] فانشغل بإماطة الأذى عن تعليم الناس والقضاء فيما بينهم، وليس ذلك من الحكمة بمكانٍ؛ إذْ إنّ مهمّته في القضاء والعمل الصالح تفوق في مصلحة الناس وميزان الله إماطة الأذى عن طريق الناس، وقد أجمع جمهور العلماء على أنّ المأمورات من الأفعال في الإسلام تنقسم إلى واجباتٍ ومُستحباتٍ، فالواجب مقدّمٌ على المستحبّ، أيّاً كانت درجته، كتقديم صلاة الفريضة أو صيامها على النافلة، وكذلك فإنّ برّ الوالدين مقدّمٌ على النوافل والمستحبّات من الأعمال الصالحة، وهكذا يقيس المسلم سائر عمله ويقدّر ثقله في ميزان الله تعالى.[9]

المراجع

  1. ↑ سورة طه، آية: 83،84.
  2. ↑ سورة الحشر، آية: 8.
  3. ^ أ ب "من يطلبون رضا الله جل جلاله عنهم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-7-9. بتصرّف.
  4. ↑ سورة البينة، آية: 7-8.
  5. ↑ سورة آل عمران، آية: 15.
  6. ↑ سورة الزمر، آية: 7.
  7. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2734، صحيح.
  8. ↑ "أحب الأعمال إلى الله تعالى"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-7-13.
  9. ^ أ ب "أي العمل أفضل؟"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-7-13. بتصرّف.
  10. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 527، صحيح.
  11. ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1368، صحيح.
  12. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 2518، صحيح.
  13. ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 2222، صحيح.
  14. ↑ رواه يحيى بن معين، في تحفة المحتاج، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم: 1/437، صحيح.
  15. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1131، صحيح.
  16. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 42، صحيح.