ما هي البلاغة

ما هي البلاغة

علم البلاغة

إنّ اللغة العربية من أعظم اللغات، وقد نالت عظمتها من ارتباطها بالقرآن الكريم الذي رفع من مكانتها، وجعلها لغة مقدّسة حتى اعتبرها العلماء علماً قائماً بذاته، ومن العلوم المرتبطة باللغة العربية علم البلاغة وهو قديم النشأة كغيره من العلوم؛ مرّ بمراحل عدة وشغل مساحة واسعة من أبواب المعرفة الأدبية والنقدية وزادت أهميته لاحتوائه، بهذا نالت البلاغة اهتماماً كبيراً من الدارسين والباحثين، فكانت من أرفع علوم اللغة لأنّها استقت موضوعها من القرآن الكريم الذي رفع من منزلتها وأكسبها هذه الدرجة العالية بين العلوم[1]

قامت البلاغة في البداية على أساس دراسة القرآن الكريم ومقارنتها بأساليب البُلغاء، ومن ثم السنة النبوية من أجل فهم أحاديث الرسول الكريم وكلامه، ثم تحولت للكلام عن البلاغة في الشعر والنثر في كلام العرب الأصائل، واختلفت آراء الدارسين في واضع علم البلاغة؛ فقيل أنه الجاحظ في كتابه البيان والتبيين، وهناك من قال أنّه الجرجاني في كتابه دلائل الإعجاز وأساس البلاغة، ورأي آخر لابن المعتز في كتابه البديع.[2]

تعريف البلاغة

تُعرّف البلاغة لغةً بالوصول والانتهاء، يقال بلغ المسافر المطار بمعنى وصل إليه، أمّا تعريف البلاغة اصطلاحاً فهي توافق الكلام الفصيح لواقع الحال، فالكلام الفصيح هو الكلام الفصيح العبارة الواضح في معناه الملائم للحدث الذي قيل فيه والأشخاص الذين يتلقونه، والشخص البليغ هو الشخص الذي يملك قدرة ومهارة يستطيع عن طريقها تكوين كلام فصيح وبليغ.[3]

ظهرت أقوال عديدة للأدباء العرب في تفسير البلاغة؛ جاءت مختلفة ومنه هذه الأقوال ما يأتي:[4]

  • قول ابن المقفع: أنّ البلاغة اسم جامع لمعانٍ تظهر بوجوه كثيرة منها ما هو بالسكون أو بالاستماع، أو بالاحتجاج، وقد تأتي جواباً أو شعراً أو سجعاً أو خطياً وأحياناً تكون رسائل، فجميع ما يكون في هذه الأبواب الوحي فيها، والإشارة إلى المعنى.
  • قول عبدالقادر الجرجاني: أنّ البلاغة تأتي بالطريقة الصحيحة لتأدية المعنى، وتختار للمعنى اللفظ الذي يخصه ويكشف عنه ويكسبه نبلاً ويظهر به مزية.
  • قول الرماني: أنّ البلاغة تتكون من ثلاث طبقات؛ وهي الطبقة العليا، والطبقة الوسطى والطبقة الدنيا، فما كان في الطبقات العليا فهو لبلاغة القرآن الكريم وإعجازه وما دون ذلك لبلاغة البلغاء من الناس، والبلاغة عند الجرجاني هي توصيل المعنى إلى القلب بأحسن صور اللفظ.
  • قول أبو هلال العسكري: أنّ البلاغة كل ما بلغ قلب السامع من معنى، فيتمكن من نفسه في صورة مقبولة ومعرض حسن.
  • قول ابن الأثير: أنّ البلاغة شاملة المعاني والالفاظ وهي عنده أخص من الفصاحة، وأنّ كل كلام بليغ هو فصيح وليس كل كلام فصيح بليغ.

نشأة وتطور علم البلاغة

تعود جذور البلاغة العربية إلى الزمن الجاهلي وقد وصل العرب إلى درجة عالية فيها، وكانت تظهر بصورة أقوال متنوعة وملاحظات مختلفة على ألسنة النابغة من الشعراء والخطباء والرواة، وأصبحت ظاهرة الاهتمام والحرص على تهذيب الكلام ليصل إلى أعلى منزلة في البلاغة ويكون له الأثر البليغ في نفوس السامعين، وكان الشاعر يمضي عاماً كاملاً في إعداد قصيدته لتصل إلى أعلى مستوى في البلاغة، وفي هذا الجو الأدبي الذي نال فيه الكلام البليغ هذه المنزلة العالية نزل القرآن الكريم على الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي أذهل العرب بفصاحته وبلاغته، وعجزوا عن الإتيان بمثله ومحاولتهم اكتشاف السر وراء إعجازه، وعندما أزدادت أعداد العرب الذين دخلوا في الإسلام أصبحت الحاجة ضرورية في فهم معاني آيات القرآن الكريم ومعرفه إعجازه واسرار بلاغته.[5]

ظهر علم البلاغة في نهايات القرن الثالث الهجري وامتد إلى القرون اللاحقة؛ وهو من العلوم المهمة والمتجددة في النقد عند العرب القدامى، نتيجة الجهود الكبيرة لقد تمكّنوا من خلال وعيهم المنطقي وتذوقهم الأدبي من دراسة اللغة والتعمق في تفاصيلها؛ من خلال اعتمادهم على أساليب كان أساسها القرآن الكريم وما تميز به من إعجاز لفظي، وكان النقد البلاغي وما تبعه من تطور؛ سبباً مباشراً للإبداع الأدبي والذي تميز بأساليبه التعبيرية المتميزة؛ كالدقة في المفاهيم، وقوة الترابط المنطقي، وحسن التنظيم؛ نتيجة ولعهم باللغة والبحث المستمر عن طرق لتحسينها وتطويرها.[6]

قبل أن يصبح علم البلاغة علماً مستقلاً كان كلاماً عاماً غير متخصص سمي عند أهل اللغة القدامى نقد الشعر أو صنعة الشعر، وكان عبارة عن آراء تقال بصورة عفوية نتيجة الذوق الفطري والاهتمام الكبير باللغة والكلام الفصيح في القرنين الثالث والرابع للهجرة، وخلال القرن الخامس الهجري تطور هذا الكلام وزاد نُضجه حتى أصبح علماً قائماً بذاته، ومن العلوم المهمة التي تفرعت منها؛ علوم متخصصة حيث تحولت الدراسات الخاصة من نظرية إلى تطبيقية والتي تهدف إلى تذوق بلاغة القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، والقدرة على نقد الكلام، واختيار افضله، والتمييز بين جيده من رديئه.

أساس علم البلاغة

علم البلاغة يقوم على أساسين هما:[2]

  • التذوق الفطري الذي يعتبر الأساس الأول للحكم على الفنون الأدبية، فتختار ذائقة الأدبية عند السامع أو القارىء الأسلوب الأفضل من حسن الكلام، وما يتسم بحلاوة الألفاظ، وقوة التراكيب، والمعاني والسمو في الخيال.
  • العقل الراجح الذي يملك بصيرة نفّاذة في الاختيار والمفاضلة والتعليل؛ لتعتمد عليها الأحكام الصحيحة في اختيار ما هو جيد ويطمئن العقل لحسنه وبلاغته من حسن الكلام.

فوائد دراسة البلاغة

من فوائد دراسة البلاغة ما يأتي:[5]

  • المقدرة على فهم معاني القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، واستيعاب دلالات معانيه، وألفاظه والسر التعبيري فيه.
  • تنمية موهبة الكتابة والتعبير عن المعنى المناسب بأسهل الطرق وأجمل بيان.
  • البراعة في اختيار الكلام المناسب للموقف
  • الاختيار المناسب للنصوص الشعرية والنثرية البليغة.
  • المقدرة على اختيار الكلام الجيد من رديئه وفهم أسباب الجودة والركاكة في النص.
  • تنمية الإحساس بالجمال الفني وزيادة مستوى التذوق الادبي.

المراجع

  1. ↑ سارة شيبان (2017-2018)، الاصطلاحات البلاغية القديمة والحديثة وصلتها بالتطور، الجزائر: جامعة العربي بن مهيدي- أم البواقي، صفحة أ،6. بتصرّف.
  2. ^ أ ب الأستاذ بن عبدالله واسيني ، مقياس البلاغة العربية، صفحة 3. بتصرّف.
  3. ↑ الدكتور عبدالله النقراط (2003)، الشامل في اللغة العربية (الطبعة الأولى)، ليبيا: دار قتيبة للطباعة والنشر والتوزيع ، صفحة 145. بتصرّف.
  4. ↑ عياشي أسماء (2015-2016)، بلاغة الإيجاز في الحديث النبوي الشريف صحيح البخاري ، الجزائر: جامعة العربي بن مهيدي - أم البواقي - كلية الآداب واللغات - قسم اللغة والأدب العربي، صفحة 8-10. بتصرّف.
  5. ^ أ ب فريق من المتخصصين (2017-2018)، البلاغة والنقد، المملكة العربية السعودية: وزارة التعليم ، صفحة 14، 19. بتصرّف.
  6. ↑ فضيلة سليماني (2015- 2016)، الأجناس البلاغية في كتاب "المعيار في نقد الأشعار" لأبي عبدالله جمال الدين محمد بن أحمد الأندلسي، الجزائر: جامعة قاصدي مرباح - ورقلة - كلية الآداب واللغات - قسم اللغة العربية والأدب العربي، صفحة 17. بتصرّف.