ما هو صحيح البخاري
الإمام البخاري
حفظ التاريخ رجالاً وعلماء مسلمين، حملوا دين الإسلام وحفظوه، ونقلوه للنّاس عبر قرون طويلة، وما دام الإسلام قائماً، فسيظل ذكرهم قائماً ومحفوظاً، ومنهم: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري، الملقّب بأمير المؤمنين في الحديث، أحد علماء القرن الثالث الهجري، عاش يتيماً في كنف والدته، وتوجّه لطلب العلم، وارتياد الكتاتيب منذ نعومة أظفاره، عُرف بذكائه وفقهه وحفظه، وأُلهم حفظ الحديث وهو ابن العشر سنين، وكان يصحّح لشيخه خطأه في الإسناد وهو ابن إحدى عشرة سنة، كما حفظ كتب كبار العلماء وهو ابن ست عشرة سنة، وبدأ بالكتابة والتصنيف وهو ابن ثماني عشرة سنة، ومن أشهر ما كتب وصنّف هو كتابه المشهور (صحيح البخاري)، حيث بدأ الإمام بتصنيفه وترتيبه في المسجد الحرام، وجمع فيه ستمائة ألف حديث، في ست عشرة سنة، ومع علمه واشتغاله بالحفظ والحديث، إلّا أنّ ذلك لم يُشغله عن العبادة والقرآن، والصلاة والقيام، كما توفي ليلة عيد الفطر، سنة ستٍ وخمسين ومئتين، وعمره اثنين وستين سنة.[1]
كتاب صحيح البخاري
التعريف بالكتاب
هو أحد كتب ومؤلفات الإمام البخاري، فقد اشتهر باسم: صحيح البخاري، وأحياناً يذكر باسم: الجامع الصحيح، أمّا اسمه الذي سمّاه به الإمام البخاري ففيه قولان متقاربان:[2]
- القول الأول: الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه.
- القول الثاني: الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه.
لم يدّخر الإمام البخاري -رحمه الله- جهداً إلّا وأولاه لهذا المؤلّف، وللعناية به، وممّا ذكر عنه أنّه قال: (ما أدخلت فيه حديثاً إلّا بعد ما استخرت الله تعالى، وصليت ركعتين، وتيقّنت صحته)، كما قال أيضاً: (لم أخرج في هذا الكتاب إلّا صحيحاً، وما تركت من الصحيح أكثر).
تصنيف صحيح البخاري
ذكر الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني ثلاثة أسباب، كانت باعثةً لتصنيف البخاري كتابه، وهي على النحو الآتي:[2]
- تجريد الحديث النبوي: فحين بدأ تدوين الحديث، كان ممزوجاً بغيره من أقوال وفتاوى الصحابة وغيرها، بالإضافة إلى جمعه للحديث الصحيح مع غيره من الحسن والضعيف، فكان ذلك الواقع دافعاً للإمام ليجرّد الأحاديث الصحيحة من غيرها.
- لقد سمع الإمام البخاري شيخه إسحاق بن راهويه يقول: (لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)، فقال البخاري: (فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع الجامع الصحيح).
- الرؤيا التي رآها البخاري في منامه، حيث قال -رحمه الله-: (رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام وكأنّني واقف بين يديه، وبيدي مروحة أذبُّ بها عنه، فسألت بعض المعبّرين، فقال لي: أنت تذبّ عنه الكذب، فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح).
منهج البخاري في صحيحه
لقد رتّب البخاري الأحاديث على الكتب، مبتدئاً بكتاب: بدء الوحي، ومختتماً بكتاب: التوحيد، ثمّ أدرج تحت كل كتاب مجموعة من الأبواب، وتحت كل باب عدد من الأحاديث، وجمع بين حفظ سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفهمها، حيث قصد في صحيحه إلى إبراز فقه الحديث، واستنباط الفوائد منه، وجعل هذه الفوائد وغيرها من الآيات وفتاوى الصحابة والتابعين عناويناً لكتبه؛ لبيان فقه كل باب وما يُستدلّ منه.[2]
شروط البخاري في صحيحه
لقد اشترط البخاري -رحمه الله- في أحاديث صحيحِه مجموعةً من الشروط، تُعرف عنه من خلال طريقة تصنيفه، وقد لخّص الإمام ابن حجر شروط البخاري في قوله: (إنّ شرط الصحيح أن يكون إسناده متصلاً، وأن يكون راويه مسلماً، صادقاً، غير مدلّس، ولا مختلط، متصفاً بصفات العدالة، ضابطاً، متحفظاً، سليم الذهن، قليل الوهم، سليم الاعتقاد)، وكان من شروطه كذلك تحقّق المعاصرة، واللقاء بين الراوي وشيخه إن روى عنه بالعنعنة.[2]
شروح صحيح البخاري
لقد حظي كتاب صحيح البخاري باهتمام كبير، وعناية بالغة من قبل العلماء، فشرحوه وتكلموا عنه، واستنبطوا الأحكام منه، وغير ذلك الكثير، وقد كثرت الشروحات عليه، حتى بلغت أكثر من مائة وثلاثين شرحاً، وفيما يأتي ذكر لبعض أشهر الشروح:[3]
- فتح الباري شرح صحيح البخاري، لصاحبه الحافظ ابن حجر العسقلاني، وهو من أعظم شروح البخاري، حيث لقي من الشهرة والقبول ما يستحق، وهو يقع في ثلاثة عشر مجلداً، ومقدمة في مجلد، باسم هدي الساري لمقدمة فتح الباري.
- عمدة القاري في شرح البخاري، للعلامة بدر الدين العيني الحنفي، وهو شرح كبير، تحدّث فيه عن الأنساب واللغات والإعراب والمعاني وغيرها من الفوائد.
- إرشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري، لشهاب الدين القسطلاني، وهو تلخيص لشرح ابن حجر، والعيني.
- الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري، وهو شرح مفيد لشمس الدين الكرماني، نقل فيه عن ابن حجر والعيني.
- التوشيح شرح جامع الصحيح، للإمام جلال الدين السيوطي، وقد علّق في شرحه هذا تعليقاتٍ لطيفة على صحيح البخاري، من مثل ضبط ألفاظ الحديث، وتفسير الغريب، وغيرها.
مكانة صحيح البخاري العلمية
يعتبر صحيح البخاري أول مصنّفٍ صُنّف فيه الأحاديث الصحيحة المجردة، وللعلماء كلام كثير في استحسان هذا الكتاب، وبيان مكانته العلمية الرفيعة، وفيما يأتي ذكر لبعض أقوالهم فيه:[2]
- قال الإمام النووي: (اتفق العلماء رحمهم الله تعالى على أنّ أصح الكتب بعد القرآن الكريم صحيحان: (البخاري ومسلم)، وتلقّتهما الأمة بالقبول، وكتاب البخاري أصحّهما، وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة).
- قال الإمام ابن حجر: (وقد رأيت الإمام أبا عبدالله البخاري، في جامعه الصحيح، قد تصدى للاقتباس من أنوارهما البهية -يعني: القرآن والسنة- تقريراً واستنباطاً، ورزق بحسن نيّته السعادة فيما جمع، حتى أذعن له المخالف والموافق، وتلقّى كلامه في الصحيح بالتسليم المطاوع والمفارق).
المراجع
- ↑ الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل (8-9-2007)، "الإمام البخاري وكتابه "الصحيح""، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج بلال مصطفى علوان (4-5-2010)، "تعريف بكتاب الجامع الصحيح"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2018. بتصرّف.
- ↑ "صحيح البخاري"، www.islamweb.net، 30-5-2005، اطّلع عليه بتاريخ 12-11-2018. بتصرّف.