ما هو السبب المباشر لفتح مكة

ما هو السبب المباشر لفتح مكة
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

الإعداد لفتح مكة

بذل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والمسلمين معه كلّ ما في وسعهم؛ لنصرة الإسلام ورفعته، وأخذوا بما يستطيعون من أسباب القوّة والتمكين، فهيأ الله تعالى لنصرهم الأسباب؛ فقد قال تعالى في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)،[1] فبعد صلح الحديبية، فتح الله تعالى على المسلمين، ودخل الناس في الدين أفواجاً، وتدرب جيش المسلمين تدريباً قويّاً في عددٍ من المعارك الحقيقيّة، وخاض الحروب ضد اليهود، والمشركين، والروم، وأصبح للجيش الإسلامي سمعةٌ لا مثيل لها في الجزيرة العربيّة بل في العالم كلّه، بالإضافة إلى أنّ علاقات الدولة الإسلاميّة أصبحت أقوى؛ إذ إنّ اليمن والبحرين وعُمان قد أسلمت، وزادت قوة العلاقات مع الحبشة ومصر، ومن الجدير بالذكر أنّ الشرعيّة أصبحت واضحةً بالنسبة للجميع، وهي أنّ الحقّ مع المسلمين بعد أن نفّذت قريش صلح الحديبية، فلم يوجد أحدٌ في ذلك الوقت يُنكر على المسلمين حقّ الردّ، بالإضافة إلى أنّ أخلاق المسلمين تفرض عليهم الانتصار للمظلوم، وقد ظلمت قبيلة خزاعة التي هاجمتها قبيلة بني بكر وقريش، فقرّر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فتح مكّة.[2]

السبب المباشر لفتح مكّة

كان صلح الحديبية قراراً صعب القبول لأغلب الصحابة -رضي الله عنهم- ومنهم عمر بن الخطاب، إلى أن وصف الله تعالى ذلك الصلح بالفتح المبين، فصدق الله تعالى، وكان صلح الحديبية السبب المباشر في فتح مكّة؛ حيث تمّ الاتفاق بين رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وقريش على عددٍ من البنود، ومن ضمن تلك البنود تمّ الاتفاق على أنّ للقبائل حريّة الدخول في تحالفٍ مع أيّ الطرفين؛ فمن أراد أن يدخل في حِلف الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- فله ذلك، ومن أراد أن يدخل في حِلف قريشٍ دخل فيه، وأنّ أيّ اعتداءٍ على أيّ قبيلةٍ متحالفةٍ مع أحد الطرفين يُعتبر اعتداءً على الطرف نفسه، فدخلت قبيلة بنو بكرٍ في حِلف قريش، ودخلت قبيلة خزاعة في حِلف المسلمين، وكان بين بني بكر وخزاعة ثاراتٌ قديمةٌ في الجاهليّة، وفي العام الثامن للهجرة وفي شهر شعبان بالتحديد، تمّ الاعتداء على قبيلة خزاعة من قِبل قبيلة بني بكر وبالتعاون مع قريش، التي أمدّتهم بالسلاح والرجال، وقُتل في هذا الاعتداء رجالٌ من خزاعة كانوا قد أسلموا مسبقاً، فكان هذا الاعتداء انتهاكاً لبنود صلح الحديبية واعتداءً مباشراً على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وعلى المسلمين، فلمّا وصل الخبر إلى النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، فبدأ بالتجهّز للقتال وردّ العدون، وفتح مكّة، ولكن من غير أن يعلم أحدٌ وجهته، وفي ذلك الوقت أدرك أبو سفيان الذي كان أشدّ قريشٍ ذكاءً، أنّ العمل الذي قامت به قبيلة بني بكر والمتهوّرون من قريشٍ لن يمرّ من غير ردٍّ قاسٍ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتوجّه مسرعاً إلى المدينة المنوّرة؛ طمعاً في استدراك الأمر وتجديد الصلح، فلمّا دخل المدينة المنوّرة، نزل عند ابنته أمّ حبيبة زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أراد أن يجلس على فراش النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- منعته من ذلك، وقالت له: (أنت رجل مشرك نجس)، فصُعق أبو سفيان ممّا سمع، ثمّ خرج متوجّهاً إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ ليحاول تجديد الصلح، فلمّا كلّمه أعرض رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عنه ولم يردّ عليه شيئاً، فذهب إلى الصحابة -رضي الله عنهم- يرجو منهم الشفاعة عند النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، فلم يُجبه أحدٌ، فقام ابو سفيان بين الناس يسألهم الشفاعة عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلم يجره أحدٌ منهم، فعاد أدراجه يجرّ أذيال الخيبة بعد أن تيقّن قُرب فتح مكّة.[3]

فتح مكّة

بعد أن نقضت قريش عهدها مع المسلمين، قرّر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فتح مكّة، وهذا ما حصل بالفعل، فدخل النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- مكّة المكرّمة فاتحاً، وهو يقرأ سورة الفتح، خافضاً رأسه؛ تواضعاً لله تعالى، كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (دخلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يومَ الفتحِ وذقنُهُ على رحلِهِ متخشِّعًا)،[4] فكان الفتح الأعظم الذي مثّل بداية حقبةٍ جديدةٍ كلّيّةٍ للإسلام والمسلمين، كما قال تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ)،[5] وشهد يوم الفتح الأعظم نهاية الوثنيّة في مكّة للأبد، حيث دخل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ومعه الصحابة -رضي الله عنهم- إلى المسجد الحرام، فأقبل إلى الحجر الأسود، ثمّ استلمه، وطاف بالبيت، وكان في البيت ثلاثمائةٍ وستون صنماً، وكان بيده قوسٌ فأخذ -عليه الصّلاة والسّلام- يطعنها بالقوس، ويقول: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)،[6] ويردّد قوله تعالى: (قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ)،[7] والأصنام تتساقط على وجوهها، ثمّ أمر بهبل؛ وهو أعظم الأصنام، فكسر وهو واقفٌ عليه، وبعد أن أتمّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- الطواف، أرسل إلى عثمان بن طلحة، وأخذ منه مفتاح الكعبة، فأمر بفتحها ودخل فيها فوجد فيها الصور، ورأى صورةً لإبراهيم وإسماعيل -عليهما السّلام- يستقسمان بالأزلام، فقال: (قاتلَهُمُ اللَّهُ واللَّهِ، لقَد علِموا ما استقسَما بِها قطُّ)،[8] ووجد في الكعبة حمامةً من عيدان فكسرها، وأمر بمحي الصور، ثمّ كبّر ووحّد الله تعالى في نواحي البيت، ثمّ خرج إلى ساحة المسجد، وإذ بالصفوف قد امتلأت برجال ٍمن قريش ينتظرون حكم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيهم بعد أن حاربوه وأخرجوه من دياره وعذبوا أصحابه، فقال لهم: (يا معشرَ قريشٍ ما تقولون؟ قالوا: نقولُ ابنُ أخٍ وابنُ عمٍّ رحيمٌ كريمٌ، ثمَّ أعادَ عليهمُ القولَ: ما تقولونَ؟ قالوا: مثلَ ذلِك، قال: فإنِّي أقولُ كما قال أخي يوسفُ: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)،[9] فخرجوا فبايعوهُ على الإسلامِ.[10]

المراجع

  1. ↑ سورة محمد، آية: 7.
  2. ↑ "الطريق إلي فتح مكة"، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 5-9-2018. بتصرّف.
  3. ↑ "فتح مكة.. الفتح المبين"، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 5-9-2018. بتصرّف.
  4. ↑ رواه الذهبي، في تاريخ الإسلام، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2/548، صحيح.
  5. ↑ سورة الحديد، آية: 10.
  6. ↑ سورة الإسراء، آية: 81.
  7. ↑ سورة سبأ، آية: 49.
  8. ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داوود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2027 ، صحيح.
  9. ↑ رواه عبد الحق الإشبيلي، في الأحكام الصغرى، الصفحة أو الرقم: 558، أشار في المقدمة أنّه صحيح الإسناد.
  10. ↑ "فتح مكة.. نقطة فاصلة في تاريخ الدعوة"، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 5-9-2018. بتصرّف.