ما معنى غض البصر

ما معنى غض البصر
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

معنى غض البصر

يُعرّف الغض لغةً بالصرف، ويُعرّف البصر على أنه حِس العين،[1] وعرّف البعض غض البصر لغةً على أنه كف البصر ومنعه من الاسترسال في التأمل والنظر، حيث قال ابن فارس في معجم اللغة: "الغين والضاد، يدلُّ على كفٍّ ونَقْص، مثل غضُّ البصر، وكلُّ شيءٍ كففتَه فقد غَضَضْته"، وقال ابن منظور في لسان العرب: "وغَضَّ طَرْفَه وبَصره: كفَّه وخَفَضَه وكسره، وقيل: هو إِذا دانى بين جفونه ونظر"، أما اصطلاحاً فيُعرّف غض البصر على أنه صرف المسلم نظره عما حُرّم عليه، وعدم النظر إلا لما أبيح له النظر إليه، وفي حال وقوع البصر على محرّمٍ من غير قصد ينبغي الإسراع في صرفه عنه.[2][3]

أما شرعاً فيشتمل غض البصر على عدّة أمور، وهي: غض البصر عن عورات الناس، ومنها زينة المرأة الأجنبية، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى أنّ غض البصر نوعان وهما: غض البصر عن العورة، وغض البصر عن محل الشهوة، وذكر مثلاً للنوع الأول وهو غض الرجل بصره عن عورة غيره، وأما النوع الثاني كالنظر إلى الزينة الباطنة للمرأة الأجنبية، ويشمل أيضاً غض البصر عن بيوت الناس وما أُغلقت عليه أبوابهم، كما قال ابن القيم رحمه الله: "ومن النظر الحرام النظر إلى العورات، وهي قسمان: عورة وراء الثياب، وعورة وراء الأبواب"، ويشمل أيضاً غض البصر عن أموال الناس، ومتاعهم، وأولادهم، ونسائهم، فقد قال الله تعالى: (لا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى ما مَتَّعنا بِهِ أَزواجًا مِنهُم وَلا تَحزَن عَلَيهِم وَاخفِض جَناحَكَ لِلمُؤمِنينَ)،[4] وفسّر السعدي -رحمه الله- الآية الكريمة، حيث قال: "لا تعجب إعجابا يحملك على إشغال فكرك بشهوات الدنيا التي تمتع بها المترفون، واغترَّ بها الجاهلون، واستغن بما آتاك الله من المثاني والقرآن العظيم".[2][3]

أهمية غض البصر

تدور مقاصد الشريعة الإسلامية حول خمسة أمورٍ وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ النسل، وحفظ المال، وحفظ العقل، ويتمّ حفظ الدين من خلال فعل أوامر الله -تعالى- واجتناب نواهيه، ويتم حفظ النفس من خلال خلافة الأرض، أما حفظ النسل فيتمّ من خلال أمرين؛ الأول وجوديّ بالترغيب بما يحصل به النسل وهو النكاح الشرعي، والثاني عدميّ بتحريم الزنا والمعاقبة عليه، وتحريم مقدماته؛ كإطلاق النظر، والخلوة، والاختلاط، وسفور المرأة، والأمر بغض البصر للرجال والنساء،[5] وقد بيّن الله -تعالى- لعباده طريق الفلاح، والسعادة، والصلاح، والعفة، والطهارة، فأمرهم بغضّ البصر، حيث قال: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).[6][7]

وقد حرص السلف الصالح رحمهم الله -تعالى- على امتثال أوامر الله -تعالى- أشدّ الحرص، ومنها غض البصر، فقد رُوي عن سفيان الثوري -رحمه الله- أنه كان يقول عندما يخرج لصلاة العيد: "أول ما نبدأ به في يومنا هذا غض أبصارنا"، ورُوي عن الربيع بن فتين -رحمه الله- أنه كان يغض بصره، فمرّ به نسوة، فأطرق وأغمض عينيه حتى ظننّ أنه أعمى، فأخذن يتعوّذن بالله من العمى، ويحمدن الله على البصر،[7] وتجدر الإشارة إلى خطر ترك غض البصر، إذ إن إطلاق النظر إلى المحرّمات هو زنا العين الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (العَيْنُ تَزني.. فزنى العين النَّظَرُ)،[8] بالإضافة إلى أن إطلاق البصر إلى المحرّمات سببٌ لإعاقة سير المسلم إلى ربه عز وجل، واشتغاله عن طاعة الله وعبادته، ولربما يتعدّى ذلك إلى الردّة عن الإسلام والخروج من الدين، كما حصل لبعض الذين تعلّقوا بصور النساء الجميلات والغلمان.[9]

فوائد غض البصر

هناك العديد من الفوائد المترتبة على غض البصر، وفيما يأتي بيان بعضها:[10]

  • تخليص القلب من الحسرة: غض البصر يخلّص القلب من ألم الحسرة، إذ إن إطلاق البصر يؤدي إلى رؤية ما يحتاجه بشدة، ولا صبر له عنه، ولا يستطيع الوصول إليه، وفي ذلك أشدّ الألم والعذاب، فالنظرة كالسهم من الرمية فإن لم تقتله جرحته.
  • نور القلب وإشراق الوجه: حيث إن غض البصر يجعل في القلب نوراً ينكعس إشراقاً في الوجه والجوارح، وفي المقابل يورث إطلاق البصر إلى المحرمات ظلمةً في الوجه والجوارح، ويُحتمل أن يكون ذلك سبب ورود آية غض البصر، وهي قول الله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)،[6] في سورة النور التي قال الله -تعالى- فيها: (اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).[11]
  • صحة الفراسة: غض البصر يورث القلب صحة الفراسة، لا سيّما أن للنظرة تأثيراً سلبيّاً على القلب، مما يفسد فراسته، إذ إن الجزاء من جنس العمل، فمن غض بصره عن المحارم عوّضه الله -تعالى- بإطلاق نور بصيرته، ومن أطلق بصره في المحرمات، منع الله عنه نور البصيرة، وقد قال شجاع الكرماني رحمه الله: "من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات، وأكل من الحلال لم تُخطئ فراسته".

وسائل تساعد على غض البصر

خلق الله -تعالى- الإنسان ووضع فيه غريزة الشهوة، ولكنه فتح لها من القنوات المشروعة ما يكفي لصرفها، وسدّ كل ذريعةٍ قد تؤدّي إلى انحرافها الذي يسبب ضعف الدين والإيمان، ويُعد الزواج أحد أهم القنوات المشروعة، وفي حال عدم الاستطاعة، فيكون العلاج بالصوم، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشرَ الشبابِ مَنِ اسْتطاع منكمُ الباءةَ فليتزوجْ فإنَّه أغضُّ للبصرِ وأحصنُ للفرجِ ومَن لم يستطعْ فعليه بالصومِ فإنه له وِجاءٌ)،[12] وقد أمر الله -تعالى- بغض البصر، وفيما يأتي بيان بعض الوسائل التي تعين على ذلك:[13]

  • مراقبة الله تعالى: من الأمور التي تعين على غض البصر استشعار رقابة الله تعالى، فقد سُئل أحد السلف: "بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله أسبق من نظرك إليه".
  • اجتناب صحبة السوء: حيث إن رفقاء السوء يُشجّعون رفيقهم على الشر، ويدلّونه عليه، ولذلك هم أعداءٌ لصاحبهم يوم القيامة، مصداقاً لقول الله تعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).[14]
  • القراءة: حيث إن تلاوة القرآن الكريم بخشوع، وقراءة كتب الترغيب والترهيب من الأمور التي تساعد على غض البصر بإذن الله.

المراجع

  1. ↑ "تعريف و معنى غض البصر في قاموس المعجم الوسيط"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-4-2019.
  2. ^ أ ب "غض البصر"، www.islamqa.info، 23-10-2006، اطّلع عليه بتاريخ 17-4-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب د.محمد راتب النابلسي (1- رمضان- 1424هـ)، "مكارم الأخلاق - الدرس: 09 - غض البصر"، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-4-2019. بتصرّف.
  4. ↑ سورة الحجر، آية: 88.
  5. ↑ "حفظ الضرورات الخمس"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-4-2019.
  6. ^ أ ب سورة النور، آية: 30.
  7. ^ أ ب "غض البصر"، www.almunajjid.com، اطّلع عليه بتاريخ 17-4-2019. بتصرّف.
  8. ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج مشكل الآثار، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 8356، صحيح.
  9. ↑ فرحان العطار، "الحذر من إطلاق البصر"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-4-2019. بتصرّف.
  10. ↑ عبد الرؤوف الأسطواني (28-3-2016)، "فوائد غض البصر"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-4-2019. بتصرّف.
  11. ↑ سورة النور، آية: 35.
  12. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 1400، صحيح.
  13. ↑ "أمور تعين على العفة وغض البصر"، www.islamweb.net، 2006-1-1، اطّلع عليه بتاريخ 17-4-2019. بتصرّف.
  14. ↑ سورة الزخرف، آية: 67.