ما هي رحمة الله

ما هي رحمة الله

مفهوم الرحمة

يدلّ مصطلح الرحمة في أصله على الرّقة، والعطف، والرأفة، ومنها تراحم القوم؛ أي رحموا بعضهم بعضاً، والرحِم هم الذين تربطهم علاقة القرابة، وقد تُطلق الرحمة ويُراد بها ما تكون به الرحمة؛ كالغيث، والرزق، أمّا الرحمة في الاصطلاح؛ فهي رقّة في النفس، تبعث على سوق الخير لمن تتعدّى إليه، وقيل إنّها: "رِقَّة في القلب، يلامسها الألم حينما تدرك الحواس أو تدرك بالحواس، أو يتصور الفكر وجود الألم عند شخص آخر، أو يلامسها السُّرور حينما تدرك الحواس، أو تدرك بالحواس، أو يتصور الفكر وجود المسرة عند شخص آخر".[1]

رحمة الله بعباده

تحوّلت نظرة البشر إلى الله -تعالى- أحياناً كنظرتهم فيما بينهم من الشدّة، والغلظة، والقسوة، فظن النّاس أنّ الله ليس رحيماً كالبشر، فانتقل سوء الظن الموجود بين العباد إلى حالة اليأس من رحمة الله، وإنّ من يقنط من رحمة الله إمّا أن يكون إنساناً يرى أن ذنوبه لا تُغفر، فارتكز إلى عقله القاصر عن إدراك رحمة الله، فهذا عبدٌ لم يعرف أنّ رحمة الله واسعةً، وأنّ فضله عظيم، فكان تصرفّه هذا التصرف، وإمّا أن يكون عبداً قد اغترّ بعبادته، فظنّ أنّه بتلك العبادة أصبح يحكم عباد الله، فعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أنَّ رجلًا قال: واللَّه لا يغفرُ اللَّه لفلانٍ، وإنَّ اللَّه تعالى قال: من ذا الذي يتأَلى عليَّ أن لا أغفر لفلانٍ، فإنِّي قد غفرتُ لفلانٍ، وأَحبطتُ عملك، أو كما قال).[2][3]

فهذه عقليّات لم يكتمل عندها نور الرسالة السماوية، والمنهج الرّباني الذي أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فالدّين مكتمل والشريعة تامة، والإنسان هو المخلوق الوحيد الممتدّة أصوله إلى السماء، وهو الوحيد الذي دوّنت له أقوالٌ وأفعالٌ، فكان سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- مصدر التشريع ومصدر الوحي الإلهي، ليبيّن لأمته منهج الوسطية والاعتدال.[3]

مظاهر رحمة الله بعباده

رحمة الله -تعالى- بعباده المؤمنين هي التي تدخلهم الجنّة يوم القيامة، ولن يدخل أحدٌ الجنّة بعمله كما أخبر رسول الله فقال: (لن يُدخل أحداً عملُه الجنَّة قالوا: ولا أنت يا رسول اللَّه؟ قال: لا، ولا أنا، إلَّا أن يتغمَّدني اللَّه بفضلٍ ورحمةٍ، فسدِّدوا وقارِبوا، ولا يتمنَّين أحدكمُ الموت: إمَّا مُحسناً فلعلَّه أن يزداد خيراً، وإمَّا مسيئاً فلعلَّه أن يستعتب)،[4] فالمؤمن يبقى بين رجاء رحمة الله، والخوف من عقابه،[5] وفيما يأتي بيان لبعض مظاهر رحمة الله بعباده:[6]

  • مكافأة الله للعبد أنه إذا تاب بدّل سيئاته حسنات، فقد قال تعالى: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).[7]
  • إرسال الرسل إلى النّاس؛ ليرشدوهم إلى طريق الصواب، فكانوا مبشّرين ومنذرين، وأنزل الكتاب المبين رحمة للعالمين.
  • إباحة الله -تعالى- المحظور في حالة الاضطرار.
  • إنجاء الله للمؤمنين حين يأخذ الكافرين بالعذاب، حيث قال: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ).[8]
  • منع الرزق عن عباده، فالله ينظر إلى النّاس على أنّهم مرضى، يعطيهم من الدواء على قدر الداء، فإن كان العطاء مرضاً أو فقراً، ففي باطنه اللطف والرحمة.

التخلّق بخلق الرحمة

وسعت رحمة الله كلّ شيءٍ، فالله -سبحانه وتعالى- الرحمن الرحيم، الذي سبقت رحمته غضبه، والذي عهد على نفسيه بالرحمة، فقد قال تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَة)،[9] وقد شملت رحمته جميع مخلوقاته ووسعتهم كلهم، وجعلها مئة رحمة، وأنزل منها رحمةً واحدةً ليتراحم الخلق بها فيما بينهم، كما روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (جعل اللَّه الرَّحمة مئة جزءٍ، فأمسك عنده تسعةً وتسعين وأنزل في الأرض جُزءاً واحداً، فمن ذلك الجُزء تتراحم الخلائق، حتَّى ترفع الدَّابة حافرها عن ولدِها، خشية أَن تُصيبهُ)،[10] وكلّما كان قلب العبد رقيقاً وكان للعباد أكثر نفعاً، ملك من الرحمة أكثر، ومتى أرسل الله رحمته فلا يملك أحدٌ أن يمسك هذه الرحمة.[11]

وقد أرسل الله -تعالى- رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- رحمةً للعالمين، ففي قلبه العلم والحكمة، وفي خُلقه الإيناس والبر، وفي طبعه اللين والرفق، وجعله الله أوسع عباده عاطفة، وأرحبهم صدراً، حيث قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)،[12] فكانت هذه الأخلاق ملازمةً له -صلى الله عليه وسلم- طوال حياته، حتى في أصعب ظروفه، وكان يرغّب بها المسلمين ويحثّهم عليها، وعلّم هذا الخلق لأصحابه ليتراحموا فيما بينهم، ولم يقتصر بالرحمة على البشر؛ وإنّما تعداها لتصل إلى الحيوانات، وعلى هذه النهج سار الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فكانوا رحماء لا ألدّاء.[11]

القنوط من رحمة الله تعالى

القنوط من رحمة الله هو اليأس من رحمته، وكون الإنسان لا يرجو الله فإنّه يقنط أن يغفر له ويرحمه، والقنوط من رحمة الله كبيرةٌ من الكبائر التي نهى الله عنها، فقال: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ)،[13] حيث وصف الله -تعالى- الذين يئسوا من رحمته بأنّهم قومٌ كافرين، فلا يجوز لأحد أن يقنط من رحمة الله -تعالى- ليأسه من معاصيه وذنوبه، وإنّما عليه الرجوع إلى الله -تعالى- بالتوبة، وقد بشّر الله التائب إليه بقبول توبته وبالأجر العظيم جزاءً منه على ما فعل من الخير، أمّا اليأس والقنوط الذي يكون سببه سوء العمل، فهو من الشّيطان وتزيينه، ولا يجب أن ينساق له العبد، بل يجب عليه أن يحذر منه، وأن لا ييأس من رحمة الله، بل يرجو الله أن يتقبّل عمله، وأن يتوب عليه، ولا ييأس من ذلك.[14]

المراجع

  1. ↑ "معنى الرَّحْمَة لغةً واصطلاحًا"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-4-2019. بتصرّف.
  2. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جندب بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2621، صحيح.
  3. ^ أ ب ماجد شاهين، "سعة رحمة الله تعالى بعبادة"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-4-2019. بتصرّف.
  4. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5673، صحيح.
  5. ↑ "رحمة الله بعباده"، www.islamqa.info، 2002-10-28، اطّلع عليه بتاريخ 15-4-2019. بتصرّف.
  6. ↑ ياسر عبد الرحمن، كتاب موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق (الطبعة الأولى )، صفحة 375. بتصرّف.
  7. ↑ سورة الفرقان، آية: 70.
  8. ↑ سورة هود، آية: 58.
  9. ↑ سورة الأنعام، آية: 54.
  10. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2752، صحيح.
  11. ^ أ ب أمينة زاده (13-2-2013)، "الرحمة .. خلق المؤمنين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-4-2019. بتصرّف.
  12. ↑ سورة آل عمران، آية: 159.
  13. ↑ سورة الزمر، آية: 53.
  14. ↑ "معنى القنوط من رحمة الله"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 15-4-2019. بتصرّف.