ما هي معجزة سيدنا نوح

ما هي معجزة سيدنا نوح

نبيّ الله نوحٌ وقومُه

هو نوح بن لامَك بن مَتُّوشَلَخَ -وهو إدريس- بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر، وقد جاء نوحٌ بعد آدم -عليهما السّلام- بعشرة قرون، كلّها كانت على الإسلام، ولكن وحين ظهرت عبادة الأصنام وحاد القوم عن توحيد الله تعالى، أرسل الله تعالى نوحاً -عليه السّلام- إليهم؛ مرشداً لهم وداعياً إليه سبحانه، قال تعالى على لسان نوحٍ عليه السّلام: (اعبُدوا اللهَ ما لكُم من إلهٍ غيرهِ إنِّي أخافُ عليكم عذابَ يومٍ عظيمٍ)،[1] وقال سبحانه: (أن لا تعبدوا إلا اللهَ إنِّي أخافُ عليكُم عذابَ يومٍ أليمٍ)،[2] ولقد بذل نوحٌ -عليه السّلام- الجهد والوقت لنصح قومه ودعوتهم، لكنّهم لم يستجب له إلا قليلٌ من المؤمنين.[3]

و قد كانت بداية الشّرك الذي انتشر بين قوم نوحٍ عليه السّلام؛ بأن عبد القوم رجالاً صالحين أتوا من قبلهم، وهم: ودٌّ وسُواعٌ ويغوث ويعوق ونسر، وأولئك قد ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم في سورة نوح، كانوا رجالاً صالحين، ثمّ بعد وفاتهم أوحى الشّيطان إلى النّاس من بعدهم أن ينصبوا لهم المعالم التي تذكّرهم بهم، ثمّ وسوس إليهم أن يجعلوهم وسيطاً بينهم وبين الله تعالى، حتّى وصل بهم تلبيس الشّيطان إلى عبادتهم من دون الله سبحانه، حينها ظهر الشّرك صريحاً في قوم نوح، ولقد بذل نوحٌ -عليه السّلام- جهده وبطرائق مختلفةٍ؛ لدعوة قومه وتوضيح الصراط المستقيم له، إلا أنّ كثيراً منهم كفر به وبرسالته، وبقي على هواه واتّبع وسوسة الشيطان له، وقد ذكر الله تعالى دعوة نوحٍ -عليه السّلام- في القرآن بقوله: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا* وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا* ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا).[4][3][5]

معجزة نوح

برغم المدّة الطّويلة التي قضاها نوحٌ -عليه السّلام- في دعوته لقومه، إلا أنّه ما آمن معه إلا قليلٌ كما وصف الله تعالى، ولمّا يأس نوحٌ -عليه السّلام- من إيمان قومه واستجابتهم لدعوته، وأوحى الله تعالى له أنّه لن يؤمن معه إلا من آمن، دعا نوحٌ -عليه السّلام- على قومه بالهلاك والعذاب، فاستجاب الله تعالى لدعوته وأعلمه أنّه سيحيط بقومه العذاب وسيهلكون غرقاً، لكن وقبل ذلك أوحى الله تعالى له أن يبني السّفينة التي سينجو بها المؤمنون من الغرق.[6]

بدأ نوحٌ -عليه السّلام- بصناعة السّفينة التي ستقلّه هو ومن آمن معه، وصار القوم يمرّون من أمامه يسخرون منه وممّا يصنع، متسائلين إن كان نوحٌ قد أصبح نجّاراً بعد أن كان نبيّاً، وبعضهم يسأله بسخريةٍ عن الماء الذي ستبحر فيه هذه السّفينة، وغير ذلك من السخرية والاستهزاء الذي أثاره القوم، لكنّ نوحاً -عليه السّلام- كان واثقاً بالله تعالى، فأجابهم بكلّ ثقةٍ وقوّةٍ: (قالَ إِن تَسخَروا مِنّا فَإِنّا نَسخَرُ مِنكُم كَما تَسخَرونَ*فَسَوفَ تَعلَمونَ مَن يَأتيهِ عَذابٌ يُخزيهِ وَيَحِلُّ عَلَيهِ عَذابٌ مُقيمٌ)،[7] ثمّ لمّا جاء أمر الله تعالى وتحقّق وعده لنبيّه فار التنّور، والتنّور عادةً يكون فرناً لخروج النّار، لكنّه هذه المرّة فار منه الماء بقدرة الله تعالى، أفمطرت السّماء مطراً لم يشهد مثله من قبل، وخرجت المياه من كلّ مكانٍ، فكانت السّاعة التي عرفها نوحٌ عليه السّلام، فخرج ومن آمن معه متوجّهين إلى السّفينة، وقد قيل أنّ عددهم كان قرابة الأربعين، وقيل سبعة عشر بين رجلٍ وامرأة، وقد حمل من الحيوانات من كلّ حيوان وطير ووحش وغيره زوجين اثنين؛ لئلا ينقرض.[6]

وقد قال الله تعالى في وصف الموج الذي كانت تجري فيه سفينة نوحٍ عليه السّلام: (وَهِيَ تَجري بِهِم في مَوجٍ كَالجِبالِ)،[8] فبالرّغم من أنّ الموج كان عظيماً كالجبال، إلا أنّ سفينة نوح وهي التي ّتعتبر بدائيّةً بسيطة الصّنع، قد صعدت وهبطت كلّ هذه الأمواج دون أن تتأذّى أو يتأذّى من بداخلها؛ رحمةً من الله تعالى،فكانت السّفينة كما وصفها تعالى: (بِسمِ اللَّـهِ مَجراها وَمُرساها)،[9] فقد كانت معجزة نوحٍ -عليه السّلام- التي أنقذته بإذن الله تعالى من الطّوفان الذي غرق به قومه، فصارت آيةً للعالمين.[10]

استقرار سفينة نوح

ورد في اليوم الذّي وقع فيه عذاب المُجرمين ونجا فيه المؤمنون واستقرّت فيه السّفينة ما قاله قتادة وغيرهن أنّهم ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب فساروا مائة وخمسين يومًا واستقرت بهم على الجودي شهرًا، وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من شهر محرم، ولقد ورد أنّ نوحاً وقومه صاموا يومهم هذا شكراً لله تعالى، وكذلك تصادف بعدها أن يكون هذا اليوم هو اليوم الذي نجّى الله تعالى فيه موسى -عليه السّلام- من فرعون وصامه اليهود ثم المسلمون كذلك.[3]

وصيّة نوح ووفاته

دعا نوحٌ -عليه السّلام- قومه إلى الإيمان بالله وتوحيده لسنواتٍ طوالٍ، وقد عاش بعد الطّوفان وغرق الكافرين ثلاثمئة وخمسين سنة، ولقد كان عمره -عليه السّلام- حين بُعث نبيّاً: أربعمئة وثمانين سنة، فيكون عمر نوحٍ -عليه السّلام- تقديراً ألفاً وسبعمئةٍ وثمانين سنة، وحين سُئل عن الدّنيا كيف رآها قال: (كبيت له بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر، وقد قيل إنّ قبره -عليه السّلام- في المسجد الحرام، وقيل في بلدةٍ في البقاع تعرف اليوم بكرك نوح، وقيل أنّه في الموصل، والله أعلم.[3]

وقد أوصى نوحٌ -عليه السّلام- ابناً له حين اقتربت وفاته فقال له: (إني قاصٌّ عليك الوصيَّةَ، آمرُك باثنتَينِ وأنهاك عن اثنتَينِ، آمرُك بلا اإله إلا اللهُ، فإنَّ السمواتِ السبعَ والأرَضينَ السبعَ لو وُضِعَتْ في كِفَّةٍ، ووُضِعَتْ لا إلهَ إلا اللهُ في كِفَّةٍ، رجَحَتْ بهنَّ لا إلهَ إلا اللهُ، ولو أنَّ السمواتِ السبعَ والأرَضَينَ السبعَ كُنَّ حَلْقةً مُبهَمةً قصَمَتْهنَّ لا إلهَ إلا اللهُ، وسبحانَ اللهِ وبحمدِه فإنها صلاةُ كلِّ شيءٍ، وبها يُرزَقُ الخلقُ، وأنهاك عن الشركِ و الكِبرِ).[11][3]

المراجع

  1. ↑ سورة الأعراف، آية: 59.
  2. ↑ سورة هود، آية: 26.
  3. ^ أ ب ت ث ج "نبي الله نوح عليه السلام"، www.darulfatwa.org.au، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-13. بتصرّف.
  4. ↑ سورة نوح، آية: 5-9.
  5. ↑ "قصة نوح عليه السلام وما فيها من المواعظ والعبر "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-13. بتصرّف.
  6. ^ أ ب "قصة نوح عليه السلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-13. بتصرّف.
  7. ↑ سورة هود، آية: 38،39.
  8. ↑ سورة هود، آية: 42.
  9. ↑ سورة هود، آية: 41.
  10. ↑ "قصة نوح عليه السلام وما فيها من المواعظ والعبر (3) "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-13. بتصرّف.
  11. ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 134 ، إسناده صحيح.