ما مهنة نوح عليه السلام

ما مهنة نوح عليه السلام

الرّسل والأنبياء

أرسل الله -تعالى- الأنبياء والرّسل لإخراجهم من الظلمات إلى النور بهدايتهم إلى طريق الحقّ وإلى توحيد الله -تعالى- وعبادته وحده وعدم الإشراك به، والرّسول في اللغة يُطلق على من يرسله الله -تعالى- برسالة وشرع ليبلّغ النّاس به ويمتثل بأوامر وأحكام الشّريعة التي أُرسل بها،[1] فالرّسل هم الموجّهون من الله -تعالى- والمكلّفون برسالة معيّنة لتبليغها للنّاس، ومتابعتهم بما جاء في الشريعة من أحكام وأوامر، أمّا النبيّ فهو مَن أخبره الله -تعالى- وأوحى إليه، وكانت العرب تُطلق لفظ النبيّ على ما يُهتدى به من أعلام الأرض. إنّ النبيّ صاحب مكانة رفيعة ومنزلة جليلة عند الله -تعالى- في الدنيا والآخرة، والنبيّ كالعلم في هداية النّاس وإخراجهم من الظلم والجهل إلى الحقّ والصواب، وقد شرّف الله -تعالى- الأنبياء وجعلهم أفضل الخَلق والنّاس، ولا يصحّ إطلاق لفظ النبيّ على الرّسول، وكذلك لا يصحّ إطلاق لفظ الرّسول على النبيّ، حيث ذُكر اللفظَين متتابعَين في القرآن الكريم ممّا يدلّ على أنّ اللفظين مختلفان، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ)،[2] ووصف الله -تعالى- بعض الأنبياء بالرّسل، حيث قال عن موسى عليه السّلام: (وَاذكُر فِي الكِتابِ موسى إِنَّهُ كانَ مُخلَصًا وَكانَ رَسولًا نَبِيًّا)،[3] فالنبيّ لفظ عام والرّسول لفظ خاصّ، والرسالة صفة زائدة على صفة النبوّة، وبناءً على ذلك يكون كلّ رسول نبيّاً، ولكن لا يُعدّ كل نبيّ رسولاً.[4]

مهنة نوح عليه السّلام

كان نبيّ الله نوح -عليه السّلام- يعمل نجّاراً، فقد شرّف الله -تعالى- أنبياءه ورسله بتعليمهم عدّة مهن وحرف،[5] وقد كان لنوح -عليه السّلام- الفضل في تعليم مهن النجارة، لما لها عدّة منافع دنيوية في تحصيل الرزق والكسب، وقد وفّقه الله -تعالى- وأرشده إلى مهنة النجارة حين أمره بصناعة السفينة للنجاة بالقوم الذين صدّقوه وآمنوا برسالته وزرعوا في قلوبهم توحيد الله تعالى، وكان أمر الله -تعالى- لنوح -عليه السّلام- بصناعة السّفينة استجابةً لدعوته حين لجأ إلى الله -تعالى- للنّجاة بالقوم المؤمنين، وأمره الله -تعالى- بأن يحمل في السفينة التي صنعها زوجين من كلّ نوع من أنواع الحيوانات؛ حتى لا ينقطع نوعها بعد هلاك القوم الكافرين ولتبقى مُسخّرة لخدمة ومصلحة البشر.[6]

نوح عليه السّلام

النبيّ نوح -عليه السّلام- هو ابن لامك بن إدريس بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السّلام، وكان بين دعوة نوح -عليه السّلام- وآدم -عليه السّلام- عشرة قرون كما ذكرت الروايات، وقد أرسل الله -تعالى- نوحاً عليه السّلام- إلى قوم كانوا عاكفين على عبادة الأصنام والأوثان، وقد تم ذكر أحوالهم في القرآن الكريم حيث قال الله تعالى: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا*وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا)،[7] وأسماء الأوثان التي ذكرت في الآية السابقة هي أسماء الرجال الصالحين الذين كانوا قدوةً لغيرهم من النّاس زمن نبي الله إدريس عليه السّلام، وعندما هلك الرجال الصالحون وسوس الشيطان إلى الناس بصناعة أصنام وأوثان بأسمائهم ونصبها في المجالس التي كانوا يجلسون فيها.[8]

بعث الله -تعالى- نوحاً -عليه السّلام- إلى القوم الذين عكفوا على عبادة الأصنام؛ ليدلّهم ويهديهم إلى عبادة الله تعالى وترك عبادة الأصنام، حيث قال الله -تعالى- عن دعوة نوح عليه السّلام: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ*قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ*أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ)،[9] فقد بذل نوح -عليه السّلام- جهداً كبيراً في دعوة قومه، حيث كان يدعوهم إلى عبادة الله -تعالى- في الليل والنهار وبشتّى أساليب الدعوة من الترغيب والترهيب والإسرار والجهر، ورغم ذلك استمر أكثرهم في عبادة الأصنام ولم يستجيبوا لدعوة نوح عليه السّلام، واستمر في دعوة قومه تسعمئة وخمسين سنة، حيث دلّ على ذلك القرآن الكريم حينما قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ)،[10] وتمادى القوم في رفض دعوة نوح -عليه السّلام- ورفض توحيد الله تعالى، وبالرغم من كلّ ما حصل مع نوح -عليه السّلام- إلّا أنّه استمرّ في الدّعوة دون يأس.[8]

عاش نوح -عليه السّلام- ألف وسبعمئة وثمانين سنةً كما ذكرت الروايات، حيث قيل إنّ عمره كان أربعمئة وثمانين سنة حينما بعثه الله تعالى، بينما عاش بعد هلاك قومه ثلاثمئة وخمسين سنة، وذكرت الروايات أنّه وصف الدنيا عند وفاته كالبيت الذي له بابان؛ حيث دخل من أحدهما وخرج من الآخر، وقد أوصى نوح -عليه السّلام- ابنه قبل وفاته بعدم الشّرك بالله -تعالى- وبعدم الكبر على النّاس، وأثنى الله -تعالى- على نبيّه نوح -عليه السّلام في القرآن الكريم؛ حيث قال: (ذُرِّيَّةَ مَن حَمَلنا مَعَ نوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبدًا شَكورًا)،[11] فوصف نوحاً -عليه السّلام- بأنّه كثير الشّكر لله تعالى، وقد ذكرت بعض روايات الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- أنّ نوحاً -عليه السّلام- كان كثير الشكر الله تعالى؛ حيث كان يشكره بعد الأكل والشرب، وعند اللبس والركوب، وممّا لا شكّ فيه أنّ الشاكر هو العبد التقيّ العابد لله تعالى بالقيام بالواجبات واجتناب المعاصي والآثام.[8]

المراجع

  1. ↑ "تعريف و معنى الرسول"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 31-3-2018. بتصرّف.
  2. ↑ سورة الحج، آية: 52.
  3. ↑ سورة مريم، آية: 51.
  4. ↑ عمر العتيبي، الرسل والرسالات، صفحة 13-14، جزء 1. بتصرّف.
  5. ↑ "الأنبياء والرسل أصحاب مهنة وحرفة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-3-2018. بتصرّف.
  6. ↑ عبد الرحمن السعدي، تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، صفحة 183. بتصرّف.
  7. ↑ سورة نوح، آية: 23-24.
  8. ^ أ ب ت "نبي الله نوح عليه السلام"، www.darulfatwa.org.au، اطّلع عليه بتاريخ 31-3-2018. بتصرّف.
  9. ↑ سورة نوح، آية: 1-3.
  10. ↑ سورة العنكبوت، آية: 14.
  11. ↑ سورة الإسراء، آية: 3.