ما عقوبة الزاني

ما عقوبة الزاني

تحريم الزنا

حذّر الإسلام من ارتكاب فعل الزنا، وبيّن أنّه من أبغض وأشنع الأفعال؛ إذ إنّه يتسبّب في العديد من الأمور السلبية؛ من تدمير النظام الأسري وما يسبّبه من اختلاط الأنساب وفساد الأخلاق الكريمة، كما أنّه يُفقد العفة والطهر، ولذلك حرّم الإسلام الزنا وما يُوصل إليه؛ حفاظاً على المسلم وابتعاداً عن الفتن، حيث فرض الإسلام غضّ البصر للرجل والمرأة، وحرّم النظر إلى عورات النساء بالنسبة للرجال، وعدم النظر إلى عورات الرجال بالنسبة للنساء، فإنّ ما يترتب على الزنا أكبر من فعل الزنا نفسه؛ فاختلاط الأنساب يؤدّي إلى أن يأخذ من الإرث من لا يستحقّه، وجعل الأجنبيّ محرماً لمن لا يجوز أن يكون محرماً لها، ونسبة الشخص لمن لا يجوز أن يكون يكون من نسبه، كما أنّ الزنا قد يؤدّي إلى قتال الناس والحروب والفتنة؛ ممّا يؤدّي إلى انتشار الفاحشة في المجتمعات بحيث لا يأمن الرجل على أهله ومحارمه، وتندثر الغيرة والحميّة عند الرجال، ويُقتل الحياء عند النساء.[1]

عقوبة الزاني

تختلف عقوبة الزنا بحسب حال الزاني؛ فإمّا أن يكون الزاني محصناً أو غير محصنٍ، والمحصن: هو المتزوج، وغير المحصن: هو الذي لم يتزوج، حيث إنّ الشريعة الإسلاميّة شدّدت العقوبة على المحصن؛ لأنّه يعلم حقيقة وخطر انتهاك الأعراض، وفيما يأتي بيان عقوبة كلٍّ منهما.[2]

عقوبة الزاني المحصن

اتّفق الفقهاء على مجموعةٍ من الشروط لاعتبار الشخص محصناً أم لا، وهي: البلوغ، والحريّة، والعقل، وأن يكون الإحصان بعقدٍ صحيحٍ على امرأةٍ محصنةٍ وطأها بصورةٍ جائزةٍ، وبناءً على ذلك فالعبد لا يقام عليه حد الزنا ولا على الصبي أو المجنون أو على المتزوج زواجاً غير صحيحٍ، إلّا أنّ الفقهاء اختلفوا في اشتراط الإسلام؛ فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى اشتراط الإسلام، بينما ذهب الشافعيّة والحنابلة إلى عدم اشتراط الإسلام، واختلفوا أيضاً إن كان أحد طرفي الزنا محصناً والآخر غير محصنٍ؛ فذهب كلٌّ من الحنفيّة والحنابلة إلى عدم ثبوت الإحصان لأيّ طرفٍ منهما، وبناءً على ذلك لا تقام عقوبة الرجم عليهما، بل يُجلدان، بينما ذهب الشافعيّة والمالكيّة إلى أنّ من ثبتت عليه شروط الإحصان تقام عليه عقوبة الزنا للمحصن، ومن لم تثبت عليه شروط الإحصان تقام عليه عقوبة الجلد، وإن ثبتت شروط الإحصان على كلا الطرفين؛ فاتّفق الفقهاء على إقامة الحدّ على كلاهما بالرجم حتى الموت، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (الشَّيخُ والشَّيخةُ إذا زنَيا فارجُموهما البتَّةَ)،[3] كما أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- رجم من زنا من الصحابة، واتّبع الخلفاء الراشدون الرسول في ذلك؛ فأقاموا حد الرجم بإجماعهم دون أن ينكر أيّ أحدٍ منهم ذلك، إلّا أنّ عقوبة الرجم لا تقام على المرأة الحامل حتى تضع حملها؛ استدلالاً بفعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم، كما أنّ في إقامة الحد على الحامل قتلٌ لنفسٍ بريئةٍ.[2]

عقوبة الزاني غير المحصن

تختلف عقوبة الزناة المحصنين عن عقوبة الزناة غير المحصنين، فغير المحصنين: هما البكرَين، الحرَّين، البالغَين، العاقلَين، المسلمَين، حيث اتّفق الفقهاء على أنّ عقوبتهما تقام عليهما بالجلد مئة جلدةٍ، ودليل ذلك قول الله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ)،[4] حيث إنّ الآية دلّت على عقوبة الزنا لغير المحصنين؛ لأنّ عقوبة المحصنين خُصّت بالأحاديث التي وردت عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والجلد يكون بسوطٍ لا جديدٍ ولا قديمٍ، وإنّما بحالةٍ وسطٍ بينهما، ويجب أن يكون مصنوعاً من الجلد، أمّا الضرب فلا يكون بشدّةٍ، ولا يجرّد المضروب من جميع ثيابه، وإنّما يترك عليه من الثياب ما يستر عورته، مع تفريق الضربات على جميع البدن؛ بحيث يُضرب كلّ عضوٍ من الأعضاء؛ حتى لا يؤدّي الضرب على عضوٍ واحدٍ إلى إتلافه، مع تجنّب الضرب على الرقبة والوجه؛ لأنّها مواضع حسنةٌ للإنسان، والمرأة يقام الحد عليها وهي جالسةٌ ومستورة العورة بما لا يمنع من الشعور بألم الجلد والضرب؛ ليحصل المقصود من إقامة الحد بالزجر والردع والإقلاع عن الذنب، كما أنّ حدّ الجلد لا يحصل في الجوّ شديد الحرارة ولا شديد البرودة؛ وإنّما في الجو المعتدل، وإن كان الزاني مريضاً بمرضٍ يُرجى الشفاء منه؛ تؤجّل إقامة الحد حتى يُشفى؛ حيث إنّ ذلك يؤدّي إلى هلاك وموت الزاني، واتّفق الفقهاء على أنّ الجلد لا يقام على المرأة الحامل والنفساء، وتؤخّر العقوبة؛ حتى لا يجتمع ألم الحمل أو النفاس مع ألم الحدّ فتهلك المرأة.[2]

الزنا

يطلق الزنا في اللغة على الوطء الخالي من الشبهة والمِلْك، والبِكر الزاني؛ هو الزاني غير المتزوّج، أمّا الثيب الزاني؛ هو الزاني المتزوّج،[5] وأمّا الزنا في الاصطلاح؛ فهو وطء الرجل لقُبُل المرأة دون مِلْكٍ أو شبهةٍ، ويطلق أيضاً على وطء المرأة في القُبُل أو في الدُّبُر، وقد حُرّم الزنا بأدلة القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع المسلمين، كما أنّ الزنا يعدّ من كبائر الذنوب،[6] وإنّ للزنا أفعالاً وسلوكيّاتٍ مسبقةً قد تؤدّي إليه، وأطلق العلماء عليها؛ مقدمات الزنا، ومنها: التقبيل، واللمس، والخلوة، والمصافحة ،والنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه، وكلّ هذه الأفعال محرّمةٌ؛ لأنّها تؤدّي إلى ارتكاب الزنا المحرّم، ودلّ قول ابن القيم -رحمه الله- على أنّ التقبيل والخلوة من المعاصي التي ليس فيها حدّ ولا كفّارة، لكنّها قد تمهّد للوقوع في الزنا.[7]

المراجع

  1. ↑ "التحذير من جريمة الزنا"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-5-2018. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت عبد الرحمن الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت - لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 55-60، جزء 5. بتصرّف.
  3. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن زر بن حبيش، الصفحة أو الرقم: 4428، أخرجه في صحيحه.
  4. ↑ سورة النور، آية: 2.
  5. ↑ "تعريف ومعنى زاني"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-5-2018. بتصرّف.
  6. ↑ " الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-5-2018. بتصرّف.
  7. ↑ "حكم مقدمات الزنا"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 16-5-2018. بتصرّف.