ما هو جزاء الصابرين

ما هو جزاء الصابرين
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

الصّبر

يأتي الصّبر في اللّغة بمعنى الحَبس، وجاء الصّبر في القرآن الكريم في قوله تعالى: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)،[1] وقد ذكر الإمام ابن تيمية أنّ معنى الصّبر الجميل في قوله تعالى هو الصّبر الذي لا شكوى فيه ولا معه، فتجد المؤمن إن أصابه بلاء احتسب أجره عند الله دون أن يشكوَ من ذلك البلاء، لا عند وقوعه مباشرةً ولا بعد وقوعه بفترة، ويرى مجاهد -رحِمه الله- أنّ المقصود بالصّبر الجميل هنا: الصّبر الذي لا جَزع معه، ويُعرَّف الصّبر في الاصطلاح الشرعيّ بأنّه: الثّبات على أحكام الكتاب والسُّنة، وحَبْس النّفس عن الجَزَع والسَّخَط.[2]

قسَّم العلماء الصّبر ثلاثة أقسام، هي: الصّبر على الطّاعات؛ وذلك بأدائها على أحسن وجهٍ دون تذمُّر من وقتها، وطبيعة ما يُرافقها من عناء، والصّبر عن المُحرَّمات؛ بتركها والابتعاد عنها ما أمكن، والصّبر على الابتلاءات بعدم السَّخَط والشّكوى لوقوعها عليه، وحلولها به، أو بمن يُحبّ، أو بما يحبّ.[2]

جزاء الصّابرين

ذُكِر جزاء الصّابرين في الكثير من الأحاديث والنّصوص الشرعيّة، وبيان جزائهم فيما يأتي:[3]

  • بالصّبر تُكفَّر السيِّئات: فالصّبر هو أوسع بابٍ لتكفير الخَطايا والذّنوب والآثام؛ وقد رُوِي أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ما يُصيبُ المؤمنَ من وَصَبٍ، ولا نَصَبٍ، ولا سَقَمٍ، ولا حَزنٍ، حتَّى الهمَّ يُهمُّه، إلَّا كفَّر به من سيِّئاتِه)،[4] فإنّ ما يُصاب به المؤمن في الدّنيا ويصبر عليه لهُوَ عدّادٌ جارٍ من الحسنات، وبابٌ تُكفَّر به السيِّئات، حتّى يأتي المؤمن يوم القيامة وليس عليه شيءٌ من الذّنوب إذا صبر على ما يُصيبه من بلاءٍ.
  • بالصّبر على البلاء دليلٌ على رضى الله عن العبد: إذا ابتلى الله العبد المؤمن بالمصائب والهموم والأسقام، فإنّه بذلك يكون قد هيّأَ له باباً من الحسنات، فيزداد العبد بذلك قُرباً من الله عزَّ وجلّ؛ حيث رُوِي أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (من يُرِدِ اللهُ بِه خيراً يُصِبْ مِنهُ)،[5] ومعنى يُصِب منه: أي يلحَقُه المرض والابتلاء، فيصبر على ذلك، فيُكفِّر الله عنه سيِّئاته ويُقرِّبه منه، ورُوِي كذلك أنَّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسِه، وولدِه، ومالِه حتَّى يلقَى اللهَ تعالَى وما عليه خطيئةٌ).[6]
  • بالصّبر يبلغ المسلم درجةً لا يبلغها سواه من الخَلق: إذا قضى الله أنّ عبداً من عباده سينال درجةً رفيعةً عندَه، ثمّ لمْ ينَلها بالعمل الصّالح، فإنّ الله يبتليه بالمرض أو الهموم والأسقام، فيصبِر على ذلك، فيُدنيه الله حتّى يبلُغَ تلك المنزلة، ورُوِي كذلك عن سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه- أنّه قال: (قلتُ: يا رسولَ اللهِ أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً؟ قالَ: الأَنبياءُ، ثمَّ الأَمثلُ فالأَمثلُ؛ يُبتلَى الرَّجلُ علَى حسَبِ دينِهِ، فإن كانَ في دينِهِ صلباً اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتُلِيَ علَى قدرِ دينِهِ، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي علَى الأرضِ، وما علَيهِ خطيئةٌ).[7]
  • الصّبر دليلٌ على صدق إيمان المسلم: وذلك لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (عَجَباً لِأَمْرِ المؤمنِ؛ إنَّ أمرَهُ كلَّه له خيرٌ، وليس ذلك لأحَدٍ إلَّا للمؤمنِ؛ إنْ أصابَتْه سرَّاءُ شَكَرَ فكان خيرًا له، وإن أصابَتْه ضَرَّاءُ صَبَرَ فكان خيراً له)،[8] فإذا صبرَ المؤمن على ما أصابه من قضاء الله وقدره، وذلك لعِلمه اليقينيّ المُطلَق أنّ ذلك الأمر لم يكن ليُصيبه إلّا بأمر الله، فيصبر على ذلك، ويحتسب أجره عند الله سبحانه وتعالى، وليس ذلك إلا دليلٌ على صِدق إيمان المؤمن وقُربِه من الله.[9]
  • الصّبر أفضل ما يُعطى العبدُ في الدُّنيا: فقد رُوِي أنّ أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: (إنّ ناساً من الأنصارِ سألوا رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فأعْطَاهم، ثُمّ سألُوهُ فأعْطاهم حتّى نَفِدَ ما عندهُ، فقال: (ما يكون عِندَي من خيرٍ فلن أدَّخِرَهُ عنكم، ومن يستعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، ومَن يَستَغنِ يُغنِهِ اللهُ، ومَن يتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وما أُعْطِيَ أحدٌ عطاءً خيراً وأوسعَ مِنَ الصَّبرِ)؛[10] فبالصّبر تُقبَل الطّاعات، وبه يوهَب المرء ما يتمنّى من أبواب الخير، وبه ينال المسلم منزلةً لا يبلُغها سواه من العابِدين، ولا يكون الصّبر إلّا لمَن عرف الله، فقنع بما أعطاه، وصبر على ما أصابه من البلاء.

مكانة الصّبر والصّابرين عند الله

وعد الله تعالى عباده الصّابرين بالأجر والثّواب العظيم، وقد ذكر ذلك في كتابة العزيز في أكثر من سورة وآية؛ حيث أعدَّ لهم جنّاتِ النّعيم، وعوّضهم أجر صبرهم وجهادهم لأنفسهم، وأعطاهم من الجزاء أضعاف ما تمنّوا ممّا صبروا عليه، ويظهر أثر الصّبر على العبد في الدّنيا قبل الآخرة؛ فيعوّضه الله بما هو خير له، فيوسّع له في رزقه، ويجعل له بركةً في كلِّ شيء، وينقله من البلاء والشّقاء إلى النّعيم والعطاء.[11]

وممّا جاء في القرآن والسُّنة بخصوص الصّبر على البلاء ما ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من رواية أنس بن مالك -رضي الله عنه- إذ يقول: (مرَّ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بامرأةٍ تبكي عند قبرٍ، فقال: اتَّقي اللهَ واصبري، قالت: إليكَ عَنِّي، فإنكَ لم تُصَبْ بمصيبتي، ولم تعرفْهُ، فقيل لها: إنَّهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فأتَت باب النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فلم تجد عندَهْ بوَّابِينَ، فقالت: لم أعرِفْكَ، فقال: إنّما الصّبرُ عند الصّدمةِ الأولى)،[12] وقد دلَّ هذا الحديث على عِظَم أجر الصّابرين، وأنّ الصّبر إنّما يكون عند حصول الصّدمة لا بعد الضّجر منها والكفر بها.

البلاء أمرٌ حتميٌّ على الخَلق كُلّهم، والعاقل مَن يصبر ويحتسب، وبالصّبر كذلك يظهر الشقِيُّ من عباد الله من السّعيد، ويظهر الشّاكر لله على كلّ حالٍ ممّن يكفر بالله إذا أصابته مصيبة، يقول الله -عزّ وجلّ- في ذلك: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرا*إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا).[13]

المراجع

  1. ↑ سورة يوسف، آية: 18.
  2. ^ أ ب مهران ماهر عثمان، "الصّبر"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 5/1/2017. بتصرّف.
  3. ↑ بدر عبد الحميد هميسه، "وبشر الصّابرين"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 24-2-2017. بتصرّف.
  4. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2573.
  5. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5645.
  6. ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4/226، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
  7. ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم: 2398، حسنٌ صحيح.
  8. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن صهيب بن سنان، الصفحة أو الرقم: 2999.
  9. ↑ "شرح حديث عجباً لأمر المؤمن"، الدرر السنيّة، اطّلع عليه بتاريخ 5-1-2017. بتصرّف.
  10. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1469.
  11. ↑ "منزلة الصابرين عند الله"، حديقة المعلومات، 15/8/2010، اطّلع عليه بتاريخ 16-3-2017. بتصرّف.
  12. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1283.
  13. ↑ سورة الإنسان ، آية: 2-3.