ما حكم سجود التلاوة

ما حكم سجود التلاوة
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

سجود التلاوة

السجود هو من أعظم مظاهر الاستسلام والخضوع لله سبحانه وتعالى، وأكثر المواضع قرباً له، فمن فعله بحب فقد دل ذلك على تواضعه لله وتعظيمه له، ومن تردد أو استكبر فهو في ذلك كإبليس الذي عصى وتكبر ولم يسجد لله تعالى، وفي القرآن الكريم وردت عدة مواضع للسجود، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسجد عند تلاوتها، فعُرف هذا السجود بسجود التلاوة، أي السجود بسبب تلاوة آيات من القرآن الكريم فيها سجود لله تعالى، وفي هذه السجدة طرد للشيطان ودحض له، كما أنّه يحزن إن رأى مسلماً يسجد لله، ويحرص على ذلك، لأنّه يعرف أنّه قد فشل في إغوائه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ ابنُ آدمَ السجدةَ فسجد، اعتزل الشيطانُ يبكي، يقول: يا وَيْلَهْ، (وفي رواية أبي كريب يا وَيْلي)، أُمِرَ ابنُ آدمَ بالسجود فسجد فله الجنَّةُ، وأُمِرتُ بالسجود فأَبَيْتُ فلي النارُ، وفي رواية: فعَصَيتُ فلي النَّارُ).[1][2]

حكم سجود التلاوة

لمسألة حكم سجود التلاوة تصنيفات ثلاث تحدث فيها العلماء، وفيما يأتي بيان ذلك:[3]

  • لقارئ القرآن: للعلماء في حكم سجود التلاوة للقارئ أقوال ثلاث، وفيما يأتي بيان كل منها:
  • لمستمع القرآن: اختلف أهل العلم في حكم سجود التلاوة له وذهبوا في ذلك إلى قولين:
  • لسامع القرآن: وللعلماء في حكم سجود التلاوة له عدة أقوال، وفيما يأتي بيانها:
  • القول الأول: الوجوب المطلق، أي سواءً كانت التلاوة أثناء الصلاة أو خارجها، وهو قول الحنفية، والإمام أحمد في رواية عنه اختارها ابن تيمية، وأدلتهم في هذا القول ما يأتي:
  • القول الثاني: أنّه واجب في الصلاة مسنونٌ خارجها، وهو قول الإمام أحمد في رواية عنه، ولم يرد له تفصيل واضح في سبب هذا القول، وقيل: إنّه قال ذلك بسبب مواظبة النبي -صلى الله عليه وسلم- على السجود أثناء الصلاة، وما نُقل عن الإمام أنّه لم يواظب على السجود خارج الصلاة، بل كان أحياناً لا يؤديها.
  • القول الثالث: أنّه مسنون مطلقاً داخل الصلاة وخارجها، وهو قول المالكية، والشافعية، وأحمد في رواية عنه، والظاهرية، والأوزاعي، والليث بن سعد، وأدلتهم في ذلك ما يأتي:
  • من القرآن الكريم:
  • من السنة النبوية: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ ابنُ آدمَ السجدةَ فسجد، اعتزل الشيطانُ يبكي، يقول: يا وَيْلَهْ، (وفي رواية أبي كريب يا وَيْلي)، أُمِرَ ابنُ آدمَ بالسجود فسجد فله الجنَّةُ، وأُمِرتُ بالسجود فأَبَيْتُ فلي النارُ، وفي رواية: فعَصَيتُ فلي النَّارُ)،[1] والاستدلال على الوجوب من الحديث من وجهين: الوجه الأول: قوله: (أُمِرَ ابنُ آدمَ بالسجود)، والأمر يفيد الوجوب، الوجه الثاني: أنّ السجدة التي أُمر بها الشيطان كانت واجبة، وكذلك سيكون سجود التلاوة.
  • من المعقول:
  • قول الله تعالى: (فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ*وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ)،[4] ووجه الدلالة من الآية كما قالوا: أنّ الله تعالى قد ذمّ تاركي السجود، والذمّ يكون عند ترك الواجب، وبالتالي فإنّ سجود التلاوة واجب.
  • قول الله تعالى: (فَاسْجُدُوا لِلَّـهِ وَاعْبُدُوا)،[5] وقوله تعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب)،[6] وهاتان الآياتان فيهما صيغة أمر واضحة، ومطلق الأمر يُفيد الوجوب.
  • قول الله تعالى: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)،[7] ودلالة هذه الآية أنّ الذي يؤمن بآيات الله، فإنّه إن ذُكر -جل وعلا- خرّ ساجداً ولم يستكبر، ومن لم يسجد فإنّه لا يؤمن بآياته سبحانه وتعالى.
  • أنّ سجدة التلاوة لو لم تكن واجبة لما جاز أداؤها أثناء الصلاة.
  • أنّ سجدة التلاوة تؤدى بالصلاة، والسجود في الصلاة واجب، فكذلك سجود التلاوة.
  • من السنة: حديث زيد بن ثابت -رضي الله عنه- أنّه قال: (قرأتُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: والنّجم، فلم يَسْجُدْ فيها)،[8] فلو كان السجود واجباً لسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولأمر كذلك زيداً -رضي الله عنه- بالسجود.
  • من المعقول:
  • أنّ الأصل في الحكم الشرعي عدم الوجوب، ما لم يرد دليلٌ صريح على الأمر به، ولا مُعارض له.
  • ولأنّ الهدف من مشروعية سجود التلاوة هو التأمين والاستعاذة بالله، وسؤاله الرحمة، وهذه ليست واجبة، فكيف يكون هو واجب.
  • وأنّه لو كان واجباً لبطلت الصلاة بتركها، ولكنّ الصلاة لا تبطل بتركه، فبالتالي هو ليس واجباً، بل سنة.
  • القول الأول: الوجوب، وهو قول الحنفية، وأحمد في رواية عنه اختارها ابن تيمية، وأدلتهم على ذلك هي نفس أدلتهم التي سبق ذكرها في حكم سجود قارئ القرآن.
  • القول الثاني: أنّه سنة، وهو قول المالكية، والشافعية، وأحمد في رواية عنه، وابن حزم، وأدلتهم على ذلك هي أيضاً نفس الأدلة السابقة التي استدلوا بها على سُنية السجود للقارئ.
  • القول الأول: الوجوب، وهو قول الحنفية، واستدلوا بما سبق من الأدلة، حيث برروا ذلك بأنّ هذه الأدلة مطلقة، وغير مُقيدة بصنف ما.
  • القول الثاني: أنّه سنة، وهو قول الشافعية، والحنابلة في وجه، والنخعي، وسعيد بن جبير، ونافع، وإسحاق، وقد استدلوا على هذا القول بأنّ هذا الشخص هو سامع للتلاوة، فعليه السجود على وجه الندب كالمستمع.
  • القول الثالث: أنّه سنة، ولكن غير مؤكدة في حق السامع مثل المستمع، وهو قول الشافعية في وجه من الأوجه، واستدلوا على ذلك بما استدل به الذين قالوا بسنيتها.
  • القول الرابع: أنّه غير مشروع، وهو قول المالكية، والحنابلة، والشافعية في وجه، واستدلوا على ذلك بما يأتي:
  • ما رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنه- حيث قال: (إنّما السجدة على من جلس لها).
  • ما رُوي عن مطرف، حيث قال: (سألت عمران بن حصين عن رجل لا يدري أسمع السجدة أم لا، فقال وسمعها فماذا؟).
  • ولأنّ السامع غير قاصد لسماع الآيات، وغير القاصد لم يُشارك التالي في الأجر، فلماذا يشاركه في السجود.

عدد سجدات التلاوة ومواضعها

ورد في القرآن الكريم خمسة عشر موضعاً لسجود التلاوة، وهي في سورة الأعراف، وسورة الرعد، وسورة النحل، وسورة الإسراء، وسورة مريم، وسورة الحج في موضعين، وسورة الفرقان، وسورة النمل، وسورة السجدة، وسورة ص، وسورة فصلت، وسورة النجم، وسورة الانشقاق، وسورة العلق.[9]

المراجع

  1. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 81، صحيح.
  2. ↑ د.راغب السرجاني (5-2-2015)، "سنة سجدة التلاوة"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-9-2018. بتصرّف.
  3. ↑ د.صالح بن عبدالله اللاحم، سجود التلاوة وأحكامه، السعودية-الرياض: دار ابن الجوزي، صفحة 19-47. بتصرّف.
  4. ↑ سورة الانشقاق، آية: 20-21.
  5. ↑ سورة النجم، آية: 62.
  6. ↑ سورة العلق، آية: 19.
  7. ↑ سورة السجدة، آية: 15.
  8. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 1073، صحيح.
  9. ↑ خالد بن سعود البليهد، "أحكام سجود التلاوة"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-9-2018.