وعد الله عباده المؤمنين بإدخالهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار، وقد وصف الله سبحانه وتعالى تلك الجنّة التي يدخلها المؤمنون بأجمل الصِّفات وأكملِها؛ ففيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ؛ فمن دخلها خُلِّدَ فيها، ونال من نعيمها كلّ ما تشتهي الأعين من الثّمار.
ومن نعيم الجنّة أن أعدّ الله للرّجال أزواجاً من الحور العِين، قال تعالى: (وَحُورٌ عِينٌ* كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ*جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا*إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا*وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ*فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ*وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ*وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ*وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ*وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ*لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ*وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ*إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً*فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا*عُرُبًا أَتْرَابًا*لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ).[1]
وورد في الحديث الذي رواه البخاريّ في وصف نعيم أهل الجنّة من الرّجال، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (إنَّ أوّلَ زُمرَةٍ يَدخُلونَ الجنّةَ على صورةِ القمرِ ليلةَ البدرِ، ثمّ الذين يَلَوْنَهم على أشدِّ كوكبٍ دُرِّيٍّ في السّماءِ إضاءةً، لا يَبولونَ ولا يتغوَّطونَ، ولا يَتفِلونَ، ولا يمتَخِطونَ، أمشاطُهمُ الذّهبُ، ورَشحُهمُ المِسكُ، ومَجامِرُهم الأَلُوَّةُ -الأَلَنجوج، عودُ الطّيبِ- وأزواجُهم الحُورُ العِينُ، على خَلْقِ رجلٍ واحدٍ، على صورةِ أبيهم آدَمَ، ستّونَ ذِراعًا في السّماءِ).[2]
قد هيّأ الله الحور العين كنوعٍ من النّعيم لعباده الصّالحين؛ جزاءً لهم على ما قدّموا في الدُّنيا من الأعمال الصّالحة،[3] ولكن لم تذكُر الأحاديث أو النّصوص الشرعيّة ما للنّساء من نعيمٍ في الجنّة بشكلٍ خاصٍّ كما للرّجال، فما هو نصيب النّساء في الجنّة؟ وما هي الأعمال التي تزيد أُجورَهُنَّ عند الله جلّ وعلا؟
إذا ورد في القرآن الكريم أو أحاديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ذِكرٌ لنعيم الجنّة بشكلٍ عامّ، فإنّ ذلك النّعيم يشمل رجال الجنّة ونساءَها على حدٍّ سواء، قال تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)،[4] فالمقصود في ذلك الرّجال والنّساء دون تخصيصٍ أو تمييزٍ لجنسٍ عن الآخر؛ فالرّجال والنّساء في نعيم الجنّة سواء إلّا ما جاء النصّ بتخصيصه.[5]
يتساءل الكثير من النّاس عند إيراد تنعُّم الرّجال في الجنّة بالحور العين، خصوصاً عندما يذكر الله سبحانه وتعالى ما هيّأه لأهل الجنّة من الحور، وخادماتهنّ، وصفات الجمال الذي يتّصفْنَ به والذي يعجز العقل عن إدراك كنَهِِهِ، عندها يرِد التّساؤل المعهود: ما الذي يُقابل ذلك من النّعيم للنّساء في الجنّة؟ هل خُصّ الرّجال فقط بهذه الميزة، ولماذا يُفرِد الله الرّجال بذلك؟ وإن لم يكن كذلك، فلماذا لم يذكر القرآن الكريم ما يقابل الحور العين من نصيب النّساء في الجنّة؟ وغير ذلك الكثير من التّساؤلات، وجواب ذلك فيما يأتي:[5]