من الذي دفن الرسول

من الذي دفن الرسول
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

مرض النبي

شعر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بصداعٍ وحرارةٍ مرتفعةٍ، وذلك في اليوم التاسع والعشرين، من شهر صفرٍ، من العام الحادي عشر للهجرة، واشتدّ المرض عليه، فمكث يصلّي في الناس وهو مريضٌ أحد عشر يوماً، وكانت جميع أيّام مرض النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ثلاثة عشر يوماً، أو أربعة عشر يوماً، وفي الأسبوع الأخير من مرضه، طلب النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أن يمرّض في بيت عائشةٍ، فأذنت له زوجاته أن يمكث في بيتها، وبعد عدّة أيّامٍ من التعب المجهد، شعر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بشيءٍ من التحسّن، فدخل على الناس في المسجد، وهو معصوب الرأس، فجلس على المنبر، وقال خطيباً في الناس: (لعنةُ اللهِ على اليهودِ والنصارى، اتَّخذوا قبورَ أنبيائِهم مساجدَ)،[1] ثمّ دعا ألّا يكون قبره وثناً يُعبد.[2]

ثمّ نزل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن منبره، وصلّى الظهر، ثمّ عرّج على بعض الوصايا يلقّنها للمسلمين، ثمّ ثقُل عليه المرض أكثر بعد ذلك، فكانت آخر صلاةٍ يصّليها في الناس قبل وفاته بأربعة أيّامٍ، حيث قالت أمّ الفضل بنت الحارث: (سمعتُ النبيَّ -صلّى الله عليه وسلّم- يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفاً، ثمّ ما صلّى لنا بعدها حتى قبَضه الله)،[3] وبعد أن اشتدّ مرض النبي صلّى الله عليه وسلّم، بحيث أصبح غير قادرٍ على القيام للصلاة، وبعد أن حاول مراراً القيام، أنشد أبا بكرٍ ليصلّي في الناس، فصلّى في الناس أبو بكرٍ باقي الأيام التي أعقبت ذلك، حتى توفّي النبي، وأمّا قبل وفاته بيومٍ واحدٍ، أعتق جميع غلمانه، وتصدّق بسبعة دنانيرٍ كانت عنده، ووهب أسلحته للمسلمين، وفي آخر فجرٍ؛ وهو فجر الاثنين، الذي توفي فيه، أطلّ من باب حجرته إلى صفوف المصليّن، وقد استعدّوا للصلاة، ففرح المسلمون برؤيته، لكنّه أشار إليهم أن يتمّوا الصلاة دونه، وكانت تلك آخر مرّةٍ يطلّ فيها النبي على المسجد والمسلمين.[2]

دفْن الرسول

قُبضت روح النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في أيّام مرضه، واختلف المسلمون في عدّة أمورٍ أثناء تحضيرهم للدفن، من بينها تحديد موقع دفن النبي، حيث قال أبو بكر -رضي الله عنه- بأنّه سمع النبي يقول: (ما قبض الله نبياً، إلّا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه)،[4] فحُفر للنبي -صلّى الله عليه وسلّم- قبراً في بيته، في مكان فراشه، وبعد أن غُسّل، وكُفّن، صلّى عليه الناس على شكل مجموعاتٍ، وكان الدفن ليلة الأربعاء، وقد نزل في قبره: علي بن أبي طالب، والفضل بن العباس، وأخوه قثم، وشقران مولى النبي، وقيل أسامة بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، فكانوا هم من دفنوا النبي، ولقد شقّ دفنه على الصحابة كثيراً، وبكى الناس، وحزنوا حزناً شديداً، على فراقه، ولقد ورد عن فاطمة ابنة النبي رضي الله عنها، أنّها قالت لأنس -رضي الله عنه- بعد الدفن: (يا أنس، أطابتْ أنفسُكم أن تَحْثوا على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- التراب)،[5] فقد كانت وفاة النبي مصاباً للمسلمين على الدوام.[2][6][7]

اختلاف المسلمين في تغسيل النبي

توفّي النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يوم الاثنين، فلمّا أصبح الثلاثاء، أراد الصحابة أن يغسّلوه، فاختلفوا فيما بينهم، أيجردونه من ثيابه كما يُفعل في الميت بالعادة أم لا، حتى أنزل الله -تعالى- عليهم النوم جميعاً، ثمّ كلمهم متكلّمٌ من ناحية البيت، أن أبقوه في ثيابه فغسّلوه، فنهض الصحابة وقد استبانوا أمرهم، فبدأوا بتغسيل النبي صلّى الله عليه وسلّم، يقول عليٌ، وهو ممّن غسّله: (غسَّلتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فجعَلتُ أنظرُ ما يَكونُ منَ الميِّتِ، فلم أرَ شيئًا، وَكانَ طيِّباً حيّاً وميِّتاً، صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ)،[8] وكان ممن غسّله أيضاً العباس، وعلي، وشقران مولى النبي، وابنا العباس الفضل، وقثم، وأسامة بن زيد، وأوس بن خولة، فكان العباس وابنيه يقلّبون النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأسامة، وشقران يصبّان عليهم الماء، وعليّ يغسّله، وأوس يسنده إلى صدره، ثمّ كفّنوه في ثلاثة أثوابٍ بيضٍ من كرسف قطنٍ، ليس فيها قميصٌ ولا عمامةٌ.[6][7]

حال المسلمين حين وفاة الرسول

لم يكد المسلمون يصدّقون ما يسمعون، حين شاع خبر وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم، فكان خبر وفاته صعباً كالصاعقة، حتى إنّ بعض الصحابة؛ ومنهم: عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنكروا في البداية الخبر، حيث إنّ عمر -رضي الله عنه- هدّد من يتناقل خبر وفاة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بالقتل، وبقي الحال مضطرباً بين الناس، حتى ذهب أبو بكر إلى حيث النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتأكّد من وفاته، وخرج إلى الناس، وقال لهم قوله الشهير: (ألَا مَن كان يَعبُدُ مُحمَّداً صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فإنَّ مُحمَّداً قَد مات، ومَن كان يَعبُدُ اللهَ، فإنَّ اللهَ حيٌّ لا يَموتُ، وقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهمْ مَيِّتُونَ، وَقال: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِه الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)،[9] فكان الناس كأنّهم يسمعون الآية لأول مرّةٍ، فما فهموها، وما عاشوها حتى توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وورد عن عمر بن الخطاب أنّه قال: (والله ما هو إلّا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي حتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها علمت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد مات).[7]

المراجع

  1. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة وعبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4443، صحيح.
  2. ^ أ ب ت "وفاة النبي صلى الله عليه وسلم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-29. بتصرّف.
  3. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن لبابة بنت الحارث أم الفضل، الصفحة أو الرقم: 4429، صحيح.
  4. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي بكر الصدّيق، الصفحة أو الرقم: 1018، صحيح.
  5. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 4462 ، صحيح.
  6. ^ أ ب "وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم"،www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-28. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت "رحيل النبي عليه الصلاة والسلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-27. بتصرّف.
  8. ↑ رواه الألباني، في أحكام الجنائز، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 68، إسناده صحيح.
  9. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3667، صحيح.