لماذا ينقض لحم الابل الوضوء

لماذا ينقض لحم الابل الوضوء
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

الوضوء

الوضوء في اللغةً مأخوذ من الوضاءة، أي الحُسن والنّظافة،[1] وأمّا في الاصطلاح الشرعيّ فقد عرّف أئمة المذاهب الوضوء بعدّة تعريفات ومجموعها يدلّ على أنّه غسل ومسح لأعضاءٍ مخصوصةٍ من جسم الإنسان، ويذكر بعضهم النيّة في التعريف باعتبارها شرطاً من شروط الوضوء، ويتجاوز بعض الفقهاء كالحنفيّة ذكرها باعتبارها سنّة، كما أنّ بعضهم نصّ في تعريفه على الترتيب والموالاة في طريقة الغسل والمسح باعتبارها واجبة ومفروضة، وعدّ بعض الفقهاء الموالاة سنّة.[2]

أمر الله -عزّ وجلّ- بالوضوء وشرعه للمسلمين في القرآن الكريم، حيث قال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)،[3] وأخبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعدم صحّة الصّلاة إلّا بالوضوء والطّهارة، حيث قال: (لا يقبلُ اللهُ صلاةَ أحدِكم إذا أحدثَ حتى يتوضأَ)،[4] وأجمع العلماء على أنّ صلاة المسّلم لا تصحّ دون وضوء إذا وُجد الماء وكان قادراً على استخدامه والوضوء منه.[5]

سبب نَقْض الوضوء بلحم الإبل

إنّ سبب نَقْض لحوم الإبل للوضوء عند القائلين بذلك أنّ فيها قوّة شيطانيّة برأي البعض، حيث أشار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى ذلك في بعض أحاديثه، وقد أمر في أحاديثٍ أخرى بالوضوء عند الغضب؛ لأنّ الغضب من الشّيطان، حيث قال: (إنّ الغضبَ من الشيطانِ، وإنَّ الشيطانَ خُلق من النارِ، وإنّما تطفأُ النارُ بالماءِ، فإذا غضِب أحدُكم فليتوضَّأْ)،[6] وبما أنّ في لحوم الإبل قوّة شيطانيّة كالتي في الغضب؛ فالوضوء منها ضروريّ كالوضوء من الغضب، وعلّل العلماء ذلك بأن أكل لحم الإبل يُورث في الإنسان قسوة القلب والحقد كما يحصل مع المعتادين على أكلها كالأعراب، وقد أشار الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- إلى ذلك المعنى حين قال: (القَسوةُ وغِلَظُ القلوبِ في الفدَّادينَ أصحابِ الإبلِ)،[7][8] وقال آخرون في سبب ذلك أنّه أمر تعبديّ لله عزّ وجلّ، فلم تظهر الحكمة من ذلك، وإنّما على المسّلم الاستسلام والانقياد لأمر الله -تعالى- دون تردّد.[9]

اختلف العلماء في حُكم الوُضوء بعد أكل لحم الإبل، فذهب الجمهور إلى أنّ لحم الإبل غير ناقض للوضوء وبالتالي ليس على من أكل لحم الإبل الوضوء، وذهب بعض العلماء؛ منهم: الإمام أحمد ابن حنبل، وإسحاق بن راهويه وغيرهم إلى أنّ أكل لحم الإبل ينقض الوضوء، والواجب على مَن أكله أن يتوضأ بعده، واستدلّ القائلون بنَقْض الوضوء بلحم الإبل بحديثين عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم؛ الأوّل منهما: ما رواه جابر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال: (أأتوضأُ مِن لحومِ الغنمِ؟ قال: إن شئتَ فتوضأْ، وإن شِئْتَ فلا تتوضأْ، قال: أتوضأُ مِن لحومِ الإبلِ؟ قال: نعم، فتوضأَ مِن لحومِ الإبلِ)،[10] والحديث الثاني ما رواه البراء بن عازب، حيث قال: (سئلَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ- عنِ الوضوءِ من لحومِ الإبلِ، فقالَ: توضَّؤوا منها وسُئِلَ عن لحومِ الغَنمِ، فقالَ: لا توضَّؤوا منها)،[11] وردّ جمهور العلماء الذين ذهبوا إلى وجوب الوضوء من لحم الإبل بحديث جابر بن عبد الله، حيث قال: (كان آخرُ الأمرَينِ من رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- تركُ الوضوءِ ممّا مستِ النارُ)،[12] والقائلين بوجوب الوضوء لم يسلّموا بحديث الجمهور، وقالوا بإنّه حديث عام والأحاديث التي استدلوا بها على وجوب الوضوء أحاديث خاصّة، والخاصّ مقدّم على العام.[13]

نواقض الوضوء

نواقض الوضوء هي الأسباب التي تُوجب على الإنسان إعادة الوضوء؛ لأنّها مفسدات للوضوء، واتّفق العلماء على بعضها واختلفوا في البعض الآخر، والنّواقض هي:[14]

  • خروج شيء من السبيلين؛ سواءً أكان قليلاً أم كثيراً، وسواءً أكان طاهراً أم نجساً.
  • سيلان الدّم الكثير أو القيح أو الصديد الخارج من جروح الإنسان أو القيء الكثير، حيث قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (من أصابه قيءٌ أو رعافٌ أَو قَلَسَ أو مذيٌ فلْينصرفْ فلْيتوضأْ ثم لِيبنِ على صلاتِه وهو في ذلك لا يتكلَّمُ).[15]
  • زوال العقل؛ سواءً أكان ذلك بجنون أو بإغماء أو بنوم أو بسُكْر.
  • ملامسة الإنسان قُبله أو دُبره بيده دون حائل، قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (من مسَّ فرجَه فليتوضَّأْ).[16]
  • الملامسة بين الجنسين بشهوة.
  • أكل لحم الإبل.
  • تغسيل الميّت؛ فقد كان ابن عمر وابن عبّاس -رضي الله عنهما- يأمران غاسل الميّت بالوضوء.
  • ترك الإسلام والردّة عنه؛ لأنّ الكفر يُحبط عمل الإنسان؛ لقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).[17]

فَضْل الوضوء

نصّت عدّة نصوص شرعيّة من القرآن والسنّة النبويّة على فضائل الوضوء، ومنها:[2]

  • عدّ الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- الوضوء شطر الإيمان؛ أي نصفه، حيث قال: (الطُّهُورُ شطرُ الإيمانِ).[18]
  • أخبر الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ خطايا الإنسان تتساقط مع ماء الوضوء.
  • جعل الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- الوضوء علامة على الإيمان، فقال: (لَن يحافظَ على الوضوءِ إلَّا مؤمنٌ).[19]
  • ذكر الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الوضوء إذا أُتبع بالدّعاء المسّنون الخاصّ بالوضوء كان سبباً في فتح أبواب الجنّة الثمانية، فقال: (ما منكُم من أحدٍ يتوضَّأُ فيُبْلِغَ أو يُسْبِغَ الوضوءَ ثمَّ يقولُ: أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ اللَّهمَّ اجعلني من التَّوابينَ واجعلني منَ المُتطهِّرينَ؛ إلَّا فُتِحت لَهُ ثَّمانيةُ أبوابُ الجنَّةِ يدخلُ مِن أيِّها شاءَ).[20]

المراجع

  1. ↑ "تعريف و معنى وضوء"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 7-3-2018. بتصرّف.
  2. ^ أ ب دبيان محمد الدبيان (2010-10-18)، "تعريف الوضوء وفضله وحكمه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-7. بتصرّف.
  3. ↑ سورة المائدة، آية: 6.
  4. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6954، صحيح.
  5. ↑ أ.د. حسن عبد الغني أبوغدة (2013-6-4)، "الوضوء وأحكامه"، fiqh.islammessage.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-7. بتصرّف.
  6. ↑ رواه ابن باز، في حاشية بلوغ المرام لابن باز، عن عطية بن عروة السعدي، الصفحة أو الرقم: 792، إسناده حسن.
  7. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عقبة بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 3302، صحيح.
  8. ↑ "الحكمة في الأمر بالوضوء بعد أكل لحم الإبل"، fatwa.islamweb.net، 2001-10-16، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-7. بتصرّف.
  9. ↑ "لماذا أكل لحم الإبل ينقض الوضوء؟"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-7. بتصرّف.
  10. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن سمرة، الصفحة أو الرقم: 360، صحيح.
  11. ↑ رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 151، صحيح.
  12. ↑ رواه الطحاوي، في شرح معاني الآثار، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1/67، صحيح.
  13. ↑ "مذاهب أهل العلم في الوضوء من أكل لحم الإبل"، fatwa.islamweb.net، 2011-3-8، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-7. بتصرّف.
  14. ↑ "نواقض الوضوء المجمع عليها والمختلف فيها"، fatwa.islamweb.net، 2001-3-19، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-7. بتصرّف.
  15. ↑ رواه الزيلعي، في نصب الراية، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1/38، صحيح.
  16. ↑ رواه الإمام أحمد، في شرح الزركشي على مختصر الخرقي، عن أم حبيبة، الصفحة أو الرقم: 1/251، صحيح.
  17. ↑ سورة الزمر، آية: 65.
  18. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي مالك الأشعريّ، الصفحة أو الرقم: 223، صحيح.
  19. ↑ رواه المنذري ، في الترغيب والترهيب، عن ثوبان مولى رسول الله، الصفحة أو الرقم: 1/130، إسناده صحيح.
  20. ↑ رواه ابن الملقن، في تحفة المحتاج، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1/191، صحيح أو حسن.