لماذا سميت غزوة ذات الرقاع

لماذا سميت غزوة ذات الرقاع

غزوات النبي

تعدّ الغزوات الإسلامية التي شارك فيها النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه، بوابة الفتح للأمة الإسلامية، بالإضافة إلى الدعوة إلى الله بالوسائل الأخرى، والناظر في التاريخ الإسلامي يجد أنّ معظم الغزوات التي شارك فيها المسلمون بقيادة النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو أحد قادة الجيوش الإسلامية من كبار الصحابة يدرك أنّ المسلمين إنّما أُلجئوا إليها إلجاءً، بعد أن استنفذوا جميع الوسائل للبعد عن القتال، تماماً كما حصل في معركة بدر، وأُحد، وغيرهما، ومع ذلك فإن الغلبة غالباً ما كانت تكون للمسلمين بفضل عقيدتهم الصلبة، وتأييد الله لهم، ومن بين الغزوات التي شارك فيها المسلمون غزوة ذات الرقاع؛ وهي تُمثّل استعادة المسلمين لحقوقهم، والانتقام للغدر الذي حصل بعد معركة الأحزاب، فما هي تفاصيل غزوة ذات الرقاع، وما سبب تسميتها بذلك، وما هي أهمّ مجرياتها؟

غزوة ذات الرقاع

ورد في سبب تسمية غزوة ذات الرقاع بذلك عدّة أقوال، فبين قائلٍ أنّ السبب يعود إلى المنطقة التي جرت فيها المعركة، إلى قائلٍ بأنّ سبب ذلك يختلف تماماً عن اسم المكان، إنّما كان لأمرٍ آخر، وفيما يأتي بيان سبب تسمية غزوة ذات الرقاع بهذا الاسم مع بيان وقت حدوث تلك الغزوة من أقوال العلماء.

سبب تسمية غزوة ذات الرقاع

كما أُشير في مطلع الفقرة السابقة، فإنّه يوجد العديد من الأقوال في تسمية غزوة ذات الرقاع بذلك، ومن بين تلك الأقوال:

  • يرى بعض العلماء أنّ سبب تسمية غزوة ذات الرقاع بهذا الاسم أنّ الصحابة رضي الله عنهم، وفي أثناء مسيرهم لتلك الغزوة جُرحت أقدامهم من المسير، والحجارة، والأشواك التي قابلتهم في رحلتهم، فرقوعها بالخرق، ولفّوها بها حتى يتوقف تدفّق الدماء منها، وحتى يصلوا إلى وجهتهم، لذلك سميت الغزوة بذات الرقاع.[1]
  • يرى فريق آخر من العلماء أنّ سبب تسمية غزوة ذات الرقاع يعود إلى المنطقة التي جرت فيها الغزوة، حيث جرت الغزوة في منطقة تسمّى ذات الرقاع؛ نسبةً إلى ما فيها من الجبال المختلطة ألوانها بين السواد والحُمرة والبياض، وتلك الألوان تنتشر في جبال تلك المنطقة على شكل بقع، لذلك أخذت الغزوة اسم المنطقة لهذا السبب.[2]

وقت غزوة ذات الرقاع

اختلفت أقوال العلماء في توقيت حدوث غزوة ذات الرقاع، فمنهم من قال أنّها وقعت في السنة الرابعة للهجرة، بعد غزوة الخندق، ومنهم من قال بعد غزوة خيبر، ومن بين من قال بذلك البخاري رحمه الله، ومنهم من قال أنّها وقعت في السنة الخامسة للهجرة، وقال آخرون أنّها وقعت في السنة الرابعة للهجرة، بعد إجلاء بني النضير من المدينة المنورة.[3]

أحداث غزوة ذات الرقاع

توجّه الرسول لقتال أعراب صحراء نجد، القُساة في طبعهم، والذين عُرف عنهم الاشتهار بالسّلب والنهب، فكانت الغاية من قتالهم أولاً تأديب القبائل التي حولهم، ثمّ تحصيل الأمن والاستقرار لأهل المدينة، وقد تزامن ذلك مع وصول الأخبار إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، بأنّ تلك الجماعات تعدّ العدّة لقتال النبي وأصحابه في المدينة، فبادرهم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بذلك قبل أن يصلوا إليه، وقد بلغ عدد المسلمين في تلك الغزوة ما يقارب الأربعمئة مقاتل، وقيل: بل سبعمئة، وكان يطغى على معالم تلك الغزوة القسوة؛ لطبيعة المنطقة المليئة بالحجارة الحادّة التي أدمت أقدام الصحابة، بالإضافة إلى نقص الراحلة التي تقلّ المقاتلين.[4]

لمّا وصل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ومن معه إلى مشارف موضع غطفان سمعت تلك القبائل بهم، فدبّ الرّعب في قلوبهم، وأصابهم الخوف والفزع، وتيقّنوا أنّ الأمر جلل، وأنّ ما عزموا عليه أصبح الآن حقيقةً لا فكرة، فهرب رجالهم إلى رؤوس الجبال، وتركوا خلفهم النساء، والأبناء، والذرية، والأموال، وفي تلك الأثناء أدركت الصلاة المسلمين، فهمّوا بأدائها؛ وكان ممّا يخشاه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- حينها أن يعود الرجال إلى جيش المسلمين، فينقضوا عليهم على حين غفلةٍ وهم يؤدّون صلاتهم، فنزلت آية صلاة الخوف التي تشرح للنبي -صلّى الله عليه وسلّم- الكيفية التي يؤدي بها الصلاة، مع حفظ الأمن للجيش، وعدم المخاطرة به،[4] قال الله تعالى: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا).[5]

انتهت الصلاة ولم يحصل ما كان يخشاه النبي صلّى الله عليه وسلّم، فعزم على العودة إلى دياره بعد أن رأى أنّ المقصود من الغزوة قد تحقّق بتأديب غطفان، وإدخال الرّعب في قلوبهم، وفي أثناء عودته وقبل أن يغادر تلك البقعة حلّ عليهم الليل، فخيّم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مع جيشه في منطقةٍ قريبةٍ، ووضع حراسةً على المعسكر، وبعد أن أشرقت الشمس واصل الجيش مسيره باتجاه المدينة، وبعد تلك الحادثة لم تجرؤ غطفان أو غيرها من الأعراب على التّعرض لأهل المدينة أو المسلمين بسوءٍ، بل علموا عظيم قدر النبي وأصحابه، كيف وصلوا إليهم، وأحاطوا بأبنائهم وذرياتهم، ولكنّهم لم يمسّوهم بسوء.[4]

المراجع

  1. ↑ السيد الجميلى (1416)، غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، بيروت - لبنان: دار ومكتبة الهلال، صفحة 66. بتصرّف.
  2. ↑ الحسن بن عمر بن الحسن بن حبيب، أبو محمد، بدر الدين الحلبي (1996)، المقتفى من سيرة المصطفى (الطبعة الأولى)، القاهرة - مصر: دار الحديث، صفحة 154. بتصرّف.
  3. ↑ علي الصلابي (2008)، السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث (الطبعة السابعة)، بيروت - لبنان: دار المععرفة، صفحة 562. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "أحداث غزوة ذات الرقاع"، www.islamweb.net ،15-1-2006، اطّلع عليه بتاريخ 8-4-2018. بتصرّف.
  5. ↑ سورة النساء، آية: 102.