تعبير كتابي عن الوطن

تعبير كتابي عن الوطن
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

الوطن

قال الشاعر أحمد شوقي:

الوطن هو مكان إقامة الإنسان ومقره الذي إليه انتماؤه وُلد به أم لم يولد، فحب الوطن والتوجّه في المشاعر إليه شيء فطريٌّ ليس لنا فيه يد، كيف لا وفيه يجد الإنسان الألفة ويشعر بالراحة، وتتشبع فيه الحواس أمناً واطمئناناً، ويشتعل الفؤاد أملاً عند لقياه، فقد جُبلنا من ترابه فتوحدنا معه في الشعور؛ يؤلمنا ألمه ويبهجنا فرحه ونشعر بالفخر لرفعته، إنّه الوطن الذي سكَننا قبل أن نسكنه.

في شوارع الوطن كبرنا وترعرعنا وفي مروجه صدحت ضحكات طفولتنا فبقيت شاهدة على جميل الذكريات، وفيه تذوقنا نكهة الفصول جميعها فرقصنا ببراءة تحت حبات المطر القادمة إلى هذه البقعة لتحييها شتاءً، واستنشقنا رائحة الأرض المبتلَّة وكأنها عنبر، وفيه تمايلنا بين زهور الربيع النضرة العابقة برائحة الطبيعة وصنعنا منها أكاليل عزٍ وفخار، وفي الصيف عايشنا مع الأحباء ليالي السمر بنسماتها التي تنعش الروح، قبل أن نلملم أحلامنا الملونة بألوان أوراق شجر الخريف ونخبأها استعداداً لموسم شتاء يبعث الحياة فينا من جديد، ففي وطني الأحلام لا تموت والعهود لا تُخان والطرق لا تُهجر مهما طال البعد، فالخير باق في أهله تجمعهم الأعياد والمناسبات وليالي السمر التي يتبادلون فيها أحاديث الغربة والطفولة والذكريات التي تنعشها رائحة الهيل في أكواب القهوة الساخنة ويذكيها حب الوطن.

الوطن هو درعنا المنيع الذي لا نشعر بالأمان إلا به؛ فهو الأم الرؤوم التي تحنو على أطفالها وإن قست حيناً، وهو هويتنا التي لا نجد أنفسنا إلا من خلالها، فبه نُعرف وإليه نعود بجذورنا مهما ابتعدنا، هو رمز كرامتنا وعزتنا اللتين بهما نفاخر، كما أنّه التراث وعبق الأجداد اللذان يجب علينا أن نذود عنهما بكل ما أوتينا من قوة، وهو الكيان الذي إليه ننتمي، فهذا الجاحظ يقول : "كانت العرب إذا غزت أو سافرت حملت معها من تربة بلدها رملاً وعفراً لتستنشقه".

وإن طال عن الوطن الكلام بَعُد المرام في إجمال وصفه وشرح محاسنه، إلا أنّ الكلام وسيلة تعبير تفصح عما تكنزه أرواحنا من مشاعر تفيض بحبه، إلا أننا لا ننسى أنّ لأوطاننا علينا حقاً يتمثل في التصدي لأي خطر يحدق بها بكل ما نملك، ويدفعنا للحفاظ على أمانها وصيانة ممتلكاتها من كل ضرر، كما يجب أن يدفعنا حبّنا هذا لأن نسلك كل السبل التي تؤدي إلى نمائها وازدهارها دون كلل أو ملل، فهذا الدين يدعونا إلى حماية الأوطان والذود عنها وفدائها بالنفس إن اقتضى الأمر، وهذا ابن عباس يروي عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قوله حين قال: (عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله)، فحماية الوطن والوقوف على ثغوره لحراسة أرضه وأمنه واجب على شبابه الغيّور حثّ عليه الدين لأهميته، ذلك لأنّ أوطاننا زهرة الروح ومهجة الفؤاد التي لا يليق بها أن تخبو أو تنطفئ.