مقالة عن بر الوالدين
تعريف برّ الوالدين
أمر الإسلام ببرّ الوالدين، ورغّب به في القرآن الكريم، وفي السنّة النبوية الشريفة، ورتّب على ذلك الكثير من الأجور في الدنيا والآخرة، وفيما يأتي بيان المقصود ببرّ الوالدين، ونقيضه؛ وهو عقوق الوالدين، كما عرّفهما علماء اللغة والشرع:
- برّ الوالدين لغةً: هو الإحسان إلى الوالدين، وطاعتهما، وحسن صلتهما، والبرّ عموماً كلمةٌ جامعةٌ لكلّ ألوان الخير والمعروف.[1]
- برّ الوالدين اصطلاحاً: هو الإحسان إلى الوالدين، ووصلهما قولاً وفعلاً، رجاء تحقيق رضا الله تعالى.[2]
تعريف عقوق الوالدين
يقابل البرّ بالوالدين عقوقهم، وغيما يأتي بيان المقصود بعقوق الوالدين:
- عقوق الوالدين لغةً: العقوق هو العصيان والجحود، وعقوق الوالدين: هو عصيانهما، وترك الرحمة والشفقة بهما، وقد يلحق بذلك الاستخفاف بهما.[3]
- عقوق الوالدين اصطلاحاً: هو صدور ما يتأذّى به الوالد من ولده، من قولٍ أو فعلٍ، إلّا في شركٍ أو معصيةٍ.[2]
أسباب برّ الوالدين
أمر الله -تعالى- عباده ببرّ الوالدين، وذكر ذلك مراراً في القرآن الكريم، ومن ذلك قوله: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)،[4] فإذا كان الله -تعالى- قد كرّر الأمر في قرآنه الكريم، فلا شكّ أنّ أوّل نيّةٍ يحتسبها المسلم حين يبرّ والديه؛ هي الاستجابة لأمر الله -تعالى- في ذلك، وفيما يأتي بيان بعض الأسباب الأخرى لبرّ الإنسان لوالديه:[5]
- برّ الوالدين من أحبّ الأعمال إلى الله تعالى، فحين سأل رجلٌ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن أحبّ الأعمال إلى الله تعالى، فأجاب: (الصلاة على وقتها، قال: ثم أيّ؟ قال: ثم برّ الوالدين، قال: ثم أيّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله).[6]
- الأجر العظيم للبارّ بوالديه، فأجر البرّ يعادل أو يفوق أجر الجهاد في سبيل الله، فلقد أتى رجلٌ للنبي -صلّى الله عليه وسلّم- يستأذنه للخروج معه مجاهداً في سبيل الله، فسأله النبي صلّى الله عليه وسلّم: (أحَيٌّ والِداكَ؟ قال: نعم، قال: فَفِيهِما فَجاهِدْ).[7]
- فضل الوالدين سابقٌ على ابنهما منذ بداية حياته، فهما أولى الناس بردّ الإحسان والفضل، وحين سأل رجلٌ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من يخصّ الإنسان بحُسن الصحبة والمعاهدة، فأجابه النبي صلّى الله عليه وسلّم: (أمُّك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمُّكَ، قال: ثم من؟ قال: ثم أمُّكَ، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك).[8]
- الفوز بالجنة، والنجاة من النار، ودليل ذلك حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: (رغمَ أنفُ، ثمّ رغم أنفُ، ثمّ رغم أنفُ قيل: من؟ يا رسولَ اللهِ، قال: من أدرك أبويه عند الكبرِ، أحدَّهما أو كليهما فلم يَدْخلِ الجنةَ)،[9] فعدّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من لم يستطع أن يحجز مقعداً في الجنة ببرّه بوالديه؛ فإنّه قد خسر خسارةً فادحةً لا تعوّض.
- حيازة الدعاء المستجاب من الوالدين، فقد أخبر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ دعاء الوالد لولده مستجابٌ بإذن الله تعالى.
- الفوز برضا الله تعالى، فرضا الله من رضا الوالد، وسخطه من سخطه.
- كسب البركة في الأعمار والأرزاق، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (مَن سَرَّه أن يُمَدَّ لهُ في عُمرِه، ويُزادَ في رِزقِه؛ فَلْيبرَّ وَالدَيهِ، ولْيصِلْ رَحِمَه).[10]
- الحفاظ على الحسنات والأجور يوم القيامة، فلقد اشترط النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على من يفعل الحسنات في دنياه أن يموت دون أن يعقّ والديه، فإنّه يفوز برضوان الله وثوابه، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (من مات على هذا كان مع النَّبيِّين والصدِّيقينَ والشُّهداءِ يومَ القيامةِ هكذا، ونصب إصبعَيه ما لم يَعَقَّ والدَيه).[11]
أمور معينة على برّ الوالدين
فيما يأتي بعض الأمور التي تُعين المرء على برّ والديه:[2]
- الاستعانة بالله تعالى، وذلك بالمسارعة إلى أشكال الطاعات، والتوجّه لله -تعالى- بالدعاء ليحوز التوفيق والعون منه.
- استشعار فضل وثواب برّ الوالدين، وسوء عاقبة العقوق والتقصير بحقّ الوالدين، فذلك مما يجعل المرء مقبلٌ على البرّ، ويجعله يخشى العقوق وسوءه.
- تذكّر فضل الوالدين على الإنسان، فلقد كانا السبب في وجوده على وجه الدنيا، وهما من قدّما له التضحيات والعطايا المتتالية، ولم يدخرا جهداً إلّا بذلاه ليكبر في أحسن حالٍ، فهما يستحقّان البرّ بعد كبرهما.
- توصية المسلمين بعضهم بعضاً ببرّ والديهم، فإنّ تقديم النصح والتحذير من عواقب العقوق يكون دافعاً للمرء ليبرّ والديه.
- تذكّر أنّ الجزاء من جنس العمل، والنظر في أنّ الإنسان سيكبر كما كبر والداه، وكما يحبّ الإنسان أن يكون أولاده بارّين به في كبره، فحينها يبادر إلى برّ والديه.
- النظر في سير البارّين بآبائهم، فذلك يحفّز ويرغّب الإنسان ليكون بارّاً، فينال الفضل ببرّه، ويحذّره من سوء عاقبة العاقين بوالديهم.
صور من البرّ بالوالدين
تضمّ كتب السير للصحابة والتابعين الكثير من قصص برّهم بوالديهم، وفيما يأتي بيان بعضها:[2]
- استسقت أمّ مسعر بن كدام من ابنها ماءً في الليل، فذهب يحضر لها الماء، فعاد فوجدها قد نامت، فخشي أن يذهب فتصحو وتطلب الماء، فبقي واقفاً عند رأسها حتّى أصبح.
- ورد عن سعيد بن سفيان الثوري أنّه ما دعاه والده قطّ وهو يصلّي نافلةً، إلّا قطعها ليجيب نداءه.
- كان أحد أئمة المسلمين، يُقال له حيوة بن شريحٍ، كان يكون جالساً بين تلاميذه يعلّمهم ويربّيهم، فتناديه أمّه ليرمي الشعير للدجاج، فيقطع تعليمه، ويلبي نداء أمّه.
- كان علي بن الحسين من أبرّ الناس بوالدته، وكان لا يأكل معها الطعام، فلمّا سئل عن ذلك، قال: أخاف أن آكل معها فتسبق عينها إلى شيءٍ من الطعام، وأنا لا أعلم به، فآكله، فأكون قد عققتها.
- خلّد القرآن الكريم برّ بعض الأنبياء بوالديهم؛ ومنهم: إسماعيل عليه السلام، إذ ذكر الله -تعالى- جميل برّه بأبيه إبراهيم عليهما السلام، حتى حين أخبر إبراهيم -عليه السلام- إبنه إسماعيل أنّه قد أمر بذبحه بالسكين، فلم يجب إسماعيل والده إلّا بقوله: (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).[12]
المراجع
- ↑ "معنى كلمة بر الوالدين"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-9. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "فضائل بر الوالدين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-8. بتصرّف.
- ↑ "معنى كلمة عقوق الوالدين"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-9. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 36.
- ↑ "أسباب بر الوالدين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-8. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 527، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 3004، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2548، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2551، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2488 ، حسن لغيره.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عمرو بن مرة الجهني، الصفحة أو الرقم: 2515، صحيح.
- ↑ سورة الصافات، آية: 102.