-

كيف تكتسب خلقاً من أخلاق النبي

كيف تكتسب خلقاً من أخلاق النبي
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

وصف خُلُق النبي عليه السلام

ضمّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أكرم الصفات، وأزكى الأخلاق، وتجمعت فيه كلّ الخصال الحميدة، مما دعا الناس إلى الإقبال على النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومحبته والتعلق به؛ لحسن طبعه، وكرم أخلاقه، كما أثنى الله -تعالى- على نبيه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)،[1] ولقد سُئلت عائشة -رضي الله عنها- عن خلق النبي -صلّى الله عليه وسلّم- فقالت: (كان خلقُه القرآنَ)؛[2] أيّ أنّه كان متخلقاً بأخلاق القرآن الكريم، حيث يتمثله في سائر شؤونه، ويتدبره ويحيا به، كما أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أولى الناس بتطبيق القرآن الكريم، والعيش به.[3]

ولم يكتف النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بتطبيق الأخلاق وتمثّلها أمام أصحابه، بل إنّه أمرهم بأحسنها في أحاديث نبويةٍ عديدةٍ، منها قوله: (اتَّقِ اللهَ حيثما كنتَ، وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمْحُها، وخالِقِ النَّاسَ بخُلقٍ حسنٍ)،[4] وبشّر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أصحاب الأخلاق الرفيعة بالدرجات العالية في الجنة، حيث قال: (أَنا زعيمٌ ببيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لمن ترَكَ المراءَ، وإن كانَ محقًّا، وببيتٍ في وسطِ الجنَّةِ لمن ترَكَ الكذبَ، وإن كانَ مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنَّةِ لمن حسَّنَ خلقَهُ)،[5] وكما أخبر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ خيار الناس من حسُن خلقه، وغير ذلك الكثير من الأحاديث التي توضّح أهمية الأخلاق وفضلها في ميزان الله تعالى، والتي تحث المسلم بدورها على أخذ الحظ الوافر من تلك الأخلاق؛ بُغية الأجر والرفعة بين الناس، وعند الله تعالى.[3]

اكتساب الأخلاق الفاضلة

جعل الله -تعالى- نبيه -صلّى الله عليه وسلّم- قدوةً للمؤمنين في ما أمر ونهى، ودليل ذلك قول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)،[6] ومن ذلك أخلاقه صلّى الله عليه وسلّم، فالمؤمن مأمورٌ أن يأخذ عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أخلاقه كما هي، ولقد أوضح النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الأخلاق تأتي بالاعتدال، حيث قال: ( إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ، و إِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، ومَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ، ومَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ)،[7] فمن أراد أن يتحلى بالجود والكرم، فإنّ عليه أن يبدأ ببذل المال وإنفاقه، ولو مجاهداً نفسه بذلك، ولا يزال المرء ينفق ويتحرّى مواقف الإنفاق، حتى يصير جواداً بطبعه.[8]

وكذلك الحال مع من أراد التخلص من رذيلةٍ، أو سوء خلقٍ، فإنّه يبدأ بتركه ويصبر على ذلك ويداوم، وجاء الأمر بالعزم والمجاهدة دائماً، فإن صبر المرء واستقام على ذلك حيناً من الوقت، ألِفت نفسه ترك ذلك الأمر، واستقامت دون إتيانه، فإن شعر المرء بفتورٍ أو رغبةٍ بعودةٍ إلى منكرٍ، فيجب على المرء أن يعالج نفسه بالعقوبة، فتعاود النفس الالتزام والصبر على المكروه، حتى تستقيم، وذلك مع سائر الأخلاق والطباع، سواءً أكان خلُقاً حسناً من أخلاق النبي -صلّى الله عليه وسلّم- رغب المرء في اكتسابه، أو خلقاً سيّئاً أراد المرء أن ينجو منه، ويترفّع عنه.[8]

جانب من أخلاق النبيّ

كملت أخلاق النبي صلّى الله عليه وسلّم، حتى كان قدوةً للمؤمنين من بعده، وفيما يأتي جانبٌ لجميل أخلاق النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما وردت في كتب السير والشمائل: (كان -صلّى الله عليه وسلّم- زاهدًا في الدنيا، متقللًا منها، حتى في الرخاء واليسر، غير زاهدٍ في معرفة أسرارها، والاتصال بحقائقها، ومعرضًا عن مظاهر العظمة، حتى في الفوز والنصر، وكثير العبادة، دائم الخشية، عفيفًا، نظيفًا، صادقًا، أمينًا، شجاعًا، مقدامًا، حازمًا، كريمًا، سمحًا، عادلًا، ثابتًا في الشدائد، وحريصًا على الوقت، ويغضب لله لا لنفسه، دائم البِشر، كثير الابتسام -ما لم ينـزل عليه القرآن أو يعظ أو يخطب - واسع الصدر، لين العريكة، حافظًا للعهد، موفيًا بالعهد، جميل الصمت، صادق اللهجة، حلو الحديث، واضح الجواب، محفوظ اللسان، حكيم الكلام، يعرض عن الباطل، ولو أجمع الناس عليه، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهيه)، وذلك خلاصة قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: (كان خلقُه القرآنَ).[2][9]

فضل الخُلُق الحسن

يرفع الخلق الحسن صاحبه إلى أعلى المراتب في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يحبّ الناس صاحب الخلق الرفيع، ويتقرّبون منه، ويطلبون مجالسته، حتى إنّ أعداءه يحترمونه، وصاحب الخلق الحسن مرتاح القلب مستنير الفكر، يهديه الله تعالى، ويأخذ به إلى الصحيح من القول والفعل، فيرضى الله -تعالى- عنه، ويرفع درجاته، وفي الآخرة؛ فإنّ الحديث حولها متعدّدٌ واسعٌ، فصاحب الخلق الحسن مبشّرٌ بالجنة، وبالقرب من النبي صلّى الله عليه وسلّم، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ من أحبِّكم إليَّ وأقربِكم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحسنَكم أخلاقًا)،[10] وبالخلق الحسن يبلغ المرء درجاتٍ لم يكن يتوقعها في الآخرة؛ لِعِظمها، حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ المؤمنَ لَيُدرِكُ بخُلقِه درجةَ الصَّائمِ القائمِ)،[11] ولذلك كان حسن الخلق من أثقل الأعمال التي توزن في ميزان الله -تعالى- يوم القيامة.[12]

وحسَنُ الخلق داعيةٌ إلى الله -تعالى- من حيث لا يحتسب، فإنّ المرء بخلقه الرفيع، وإحسانه إلى الناس؛ يلفت أنظارهم إلى دينه واستقامته، فيكون سبباً في دخولهم الإسلام، وتعظيم شعائره كما أمر الله سبحانه، ولقد كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قدوة المسلمين في دعوته بخلقه، فقد ورد في العديد من القصص عمن أتى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وهو مبغضٌ له، ثم ما إن نظر في وجه النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو كلّمه حتى شهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله، وقد صار النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أحبّ الناس إلى قلبه، وكلّ ذلك لحسن ملقى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وطيّب كلماته إذا أقبل إليه آتٍ.[12]

المراجع

  1. ↑ سورة القلم، آية: 4.
  2. ^ أ ب رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4811 ، صحيح.
  3. ^ أ ب "الرسول قدوتنا في الأخلاق"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-24. بتصرّف.
  4. ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أبي ذر الغفاري و معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 4/127، إسناده حسن أو صحيح.
  5. ↑ رواه النووي، في تحقيق رياض الصالحين، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 264 ، صحيح.
  6. ↑ سورة الأحزاب، آية: 21.
  7. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي الدرداء وأبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2328، حسن.
  8. ^ أ ب "اكتساب الأخلاق الفاضلة"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-24. بتصرّف.
  9. ↑ "أخلاق الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم-"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-24. بتصرّف.
  10. ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 3/354 ، إسناده صحيح أو حسن.
  11. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 480، صحيح.
  12. ^ أ ب "فضل حسن الخلق"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-24. بتصرّف.