كيف تكون باراً بوالديك
برّ الوالدين في الإسلام
جاءت الوصية ببرّ الوالدين في آياتٍ قرآنيةٍ عديدةٍ، وأحاديثٍ نبويةٍ شريفةٍ، وفي المقابل فقد حذّر الإسلام من عقوق الوالدين، ونفّر منه بأن رتّب عليه الإثم والعقوبة الكبيرة، في الدنيا والآخرة؛ لينفر منه الإنسان، وإنّ برّ الوالدين يقتضي العناية بهما، والإحسان إليهما، بنية التقرّب من الله تعالى، فالله -تعالى- قال في كتابه العزيز: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)،[1] فقد جاء الأمر ببرّ الوالدين بعد الأمر بالتوحيد مباشرةً، وذلك يدلّ على أهمية البرّ والإحسان بالوالدين، وإنّ ممّا يؤكّد ذلك أيضاً جعْل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- برّ الوالدين، قبل الجهاد في سبيل الله، حيث سئل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن أفضل الأعمال عند الله -تعالى- فأجاب: (الصلاةُ علَى ميقاتِها، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: ثم بِرُّ الوالِدَينِ، ُقلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ).[2][3]
ومن مظاهر حرص الإسلام ببرّ المسلم بوالديه بإيجابه على الأبناء، حتى لو كان الوالدين كافرين، فيطيعهما الابن في الأمور المباحة، ويكرمهما ويعتني بهما، ولا يتأفّف من حالهما، أو أوامرهما، وجعل الإسلام هناك معياراً واحداً لعدم طاعتهما؛ وهو أمر الوالدين الإنسان بما فيه معصيةٌ لله سبحانه، حيث قال الله تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)،[4] ولم يكتف القرآن الكريم بوصف البرّ في عمومه، بل إنّه خصّ العناية بالوالدين عند كبرهما؛ لأنّها المرحلة التي يضعُف فيها الوالدين، ويشعران بالحاجة الحقيقية للمعين والمساند، فأمر الإسلام الأبناء بتكثيف العناية والإحسان لهما، إذا صارا كبيرين في السنّ، ونهى الإسلام الأبناء عن التضجّر والتأفّف من طلبات الوالدين، حيث قال الله تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)،[5] فليس الإحسان بعد التأفف والضجر من حاجتهما، بل إكرامهما بالكلام الطيب اللين، الذي يرضيهما، ويدخل السرور على قلبيهما، ويلي ذلك خفض الجناح والتواضع لهما، قال ابن جريرٍ: (كُنْ لهما ذليلاً؛ رحمةً منك بهما، تطيعهما فيما أمراك به مما لم يكن لله معصيةً، ولا تخالفهما فيما أحبّا، فإنّ ذلك هو البرّ الذي أراده الله سبحانه، وأمر به).[3]
أعمال تجعل المسلم باراً بوالديه
يكون البرّ بالوالدين على عدّة أشكال، وفيما يأتي بيان بعضها:[6]
- الدعاء لهما بالرحمة والمغفرة، والعافية والبركة.
- الصدقة عنها بوضع وقفٍ خيريٍّ باسمهما، أو اسم أحدهما؛ كبناء مسجدٍ، أو حفر بئر ماءٍ، أو توزيع نشراتٍ، وأشرطةٍ إسلاميةٍ.
- الترفيه عنهما، وإسعادهما، وذلك قد يكون في نزهةٍ، ورحلة استجمامٍ، أو دعوة غداءٍ في مطعمٍ، أو السير ليلاً ليزيح عنهما الهمّ، ويريح بالهما.
- تقبيل الرأس واليد للأب والأم، ففي ذلك تواضعٌ وتبجيلٌ، واحترامٌ ظاهرٌ، يحبّه الوالدان، ويفرحا به.
- الثناء عليهما ومدحهما، وتذكّر المواقف العظيمة التي صنعاها في الماضي، وإظهار الفرح والفخر بها.
- مشاورتهما في بعض الشؤون الخاصة، التي قد يصلح فيها مشاورتهما؛ كاختيار الزوجة، أو مكان السكن، أو التخصص الدراسي، فإنّ محاورتهما وإشراكهما في الأمور الخاصة مدعاةٌ للفرح والألفة.
- التواصل معهما بالرسائل والمكالمات، إن تعذّرت الزيارة واللقاءات، وكذلك إجابة اتصالهما مهما كان الظرف حين يتّصلا.
الأم مقدّمةٌ على الأب بالبرّ
جاءت التوصية في العناية في الأمّ أكبر من الأب، وقد خصّها النبي -صلّى الله عليه وسلّم- حين سأله أحد الصحابة: (مَن أَحَقُّ الناسِ بحُسنِ صحابتي؟ قال: أمُّك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمُّكَ، قال: ثم من؟ قال: ثم أمُّكَ، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك)،[7] فذكر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الأم ثلاث مراتٍ قبل أن يذكر الأب؛ وذلك ليذكّر بفضلها في الحمل، والرضاعة، والتربية، قبل أن يذكر أنّ للأب حقاً واحداً على أبنائه؛ وهو حق التربية، وقُدّمت الأم كذلك لحنانها وعطفها، الذي تغمر فيه ابنها كلّ يومٍ، حتى لو شبّ وكبر، وقُدّمت الأم لضعفها وقلة حيلتها مقارنةً بالأب، فقد يسهل على الابن أن يرفع صوته عليها، أو يؤذيها، فكان التذكير فيها مراراً؛ توكيداً على فضل البرّ، وقبح العقوق.[8]
عقوق الوالدين والتحذير منه
كما رغّب الإسلام ببرّ الوالدين، وأوجبه على المسلم، فقد حذّر من عقوقهما والإساءة إليهما، وقد يستسهل الإنسان أن يعقّ والديه لعدة أسبابٍ، منها: الجهل بفضلهما عليه، وقد يكون بقلة تربية الابن التي لم تأمره بطاعة الله، وتحثه على تقواه، فانقلب بسبب ذلك إلى سيء الخلق مع والديه، وقد يأتي العقوق بسبب الصحبة السيئة التي تجرّ الأبناء إلى أخطاءٍ، حتى لو تربّيا على غيرها في الصغر، وهناك سببٌ رئيسيٌ آخرٌ للعقوق، وهو أن يكون الوالدين أصلاً قد عقّا والديهما، فإنّ الله -تعالى- كتب أنّ الجزاء من جنس العمل، وكيف ما كان سبب العقوق فقد جعل الله -تعالى- للعاق بوالديه عقاباً في الدنيا والآخرة، وفيما يأتي بيان عقوبة العاق لوالديه:[3]
- استحقاق غضب الله تعالى، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (رضا الربُّ في رضا الوالدينِ، وسخطُهُ في سخطِهما).[9]
- دخول النار بسبب عقوق الوالدين، ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ثلاثةٌ لا ينظُرُ اللهُ إليهم يومَ القيامةِ: العَاقُّ لوالدَيْهِ ومُدمِنُ الخَمرِ، والمنَّانُ بما أعطى).[10]
- عدم قبول العمل الصالح بسبب العقوق، فإنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يقول محذّراً العاقّ لوالديه: (ثلاثَةٌ لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُمْ صَرْفاً ولا عَدْلاً: عَاقٌ، ومنانٌ، ومُكَذِّبٌ بِالقَدَرِ).[11]
- تعجيل شيءٍ من العقوبة في الدنيا للعاقّ بوالديه، فقد أخبر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن بعض الأعمال التي يعجّل الله لصاحبها العقوبة في الدنيا، وذكر منها عقوق الوالدين.
المراجع
- ↑ سورة الإسراء، آية: 23.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2782، صحيح.
- ^ أ ب ت "فضائل بر الوالدين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-18. بتصرّف.
- ↑ سورة لقمان، آية: 15.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 23-24.
- ↑ "مقترحات وأفكار في بر الوالدين"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-19. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2548، صحيح.
- ↑ "خطبة عن بر الوالدين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-18. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 4441، صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 7340، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 1785، إسناده حسن.