عُرِفَ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بجميل خلُقه حتى قبل أن يُبعث رسولاً إلى الناس؛ فقد كانت قريش تلقّبه بالصادق الأمين، وتستأمنه على ودائعها، وتجارتها، ورعي أغنامها، وهو لا يزال شابّاً في مقتبل عمره، واستمرّ على ذلك الخلق الحسن بعد البعثة والرسالة؛ فأثنى عليه الله -تعالى- لخلُقه في القرآن الكريم، حيث قال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)،[1] وحين سُئلت السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن خُلق النبي -عليه السلام- قالت ملخّصةً حياته: (كان خلقُه القرآنَ)،[2] أي إنّه ملتزمٌ بأخلاق القرآن الكريم والأوامر الواردة فيه في شأنه كلّه، فكأنّه قرآن يمشي على الأرض.
ولأنّ النبي -عليه السلام- مُبلّغ عن رب العالمين، وقدوةٌ للمسلمين في كلّ زمانٍ ومكانٍ؛ فلم يكتفِ بجميل الأخلاق لنفسه وحسب، وإنّما دعا إليها ورغّب بها، ولذلك وردت العديد من الأحاديث الشريفة التي تحثّ المسلم على أن يتمثّل خير الأخلاق في سلوكه، اقتداءً به، ورغبةً في نيل فضل الأخلاق في الدنيا والآخرة، ومن الأحاديث الواردة عن النبي -عليه السلام- بذلك، قوله: (اتَّقِ اللهَ حيثما كنتَ، وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمْحُها، وخالِقِ النَّاسَ بخُلقٍ حسنٍ)،[3] وقوله أيضاً: (إن خيارَكم أحاسنُكم أخلاقاً)،[4][5] إلى غير ذلك من الأحاديث التي وجهّها النبي -عليه السلام- للمسلم، ليرعى أخلاقه ويهذّبها رجاء رضا الله -تعالى- واقتداء بنبيه عليه السلام.
أخبر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ أكثر ما يُدخل الجنة حُسن الخلق؛ ولذلك كان لزاماً على من جدّ السعي باحثاً عن الدرجات العلا في الجنة أن يحسّن من خلقه، ولقد كان تهذيب الأخلاق من أهمّ الغايات التي بُعث لأجلها رسول الله عليه السلام، إذ قال: (إنما بُعِثتُ لأتمِّمَ صالحَ الأخلاقِ)،[6] وممّا يُعين المسلم على اكتساب أخلاق النبي -عليه السلام- الدعاء، مقتدياً بذلك بفعل النبي عليه السلام؛ إذ كان يسأل الله -تعالى- أن يجمّله بحسن الخلق على الدوام، فكان من دعائه: (اللَّهمَّ كما حَسَّنتَ خَلقي، فحسِّن خُلُقي)،[7] وعلى المسلم أن يعلم أنّ طريق تعلّمه لأخلاقٍ حسنةٍ جديدةٍ يمرّ بأن يرى عيوب نفسه وأخطائها؛ حتى يعمل على تحسينها وعلاجها، وأن يتوقّف عن ذكر عيوب الناس وأخطائهم، ويعدّ على نفسه السوء والإثم؛ حتى يستشعر رغبته وحاجته لتعلّم الخلق الجيد.[8]
وينبغي على المسلم أيضاً التدرّب ومجاهدة النفس ورياضتها لاكتساب جديد الخلق الحسن، أو ترك سيء الخلق والانتهاء عنه، ولقد أوصى النبي -عليه السلام- بتدريب النفس ومجاهدتها، فقال: (إنما العلمُ بالتَّعلُّمِ، وإنما الحِلمُ بالتَّحلُّمِ، ومن يتحرَّ الخيرَ يُعطَهْ، ومن يتَّقِ الشرَّ يُوَقَّه)،[9] فإن أراد المسلم اكتساب خلق الكرم والجود، اقتداءً بالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- الذي كان أكرم الناس وأجودهم، فإنّ عليه أن يُكره نفسه على البذل والعطاء في البداية، حتى تألف نفسه الإنفاق وتحبّه بالتدريج، وقد يكون التدريب لترك خلقٍ سيءٍ اقتداء بالنبي عليه السلام، فلا يزال المرء يجاهد نفسه على ترك الإثم والمحرّم، وينفّرها منه ومن سوء عاقبته حتى تألف نفسه ترك الخطيئة، وتستقيم مع صاحبها حيث أراد، بإذن الله تعالى.[8]
يدخل تحت الخلق الحسن الكثير من الصفات والتعاملات مع الناس، من تلك الصفات التي يستطيع أن يتحلّى بها المسلم فينال بها الأجر من عند الله -تعالى- ما يأتي:[10]