كيفية صلاة قيام الليل بالتفصيل
قيام اللَّيل
حثَّ الإسلام على قيام اللَّيل بمواضع كثيرةٍ في القرآن والسُّنَّةِ النَّبويَّة، وذلك لما فيه من فضائل، وفوائد للعبد في الدُّنيا والآخرة، ومن هذه المواضع قوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) [الإسراء: 79]، وقوله أيضاً: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ)،[السَّجدة: 16]، و(كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) [الذَّاريات: 17]، و(وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) [الفرقان: 64].
أمّا عن فضل قيام اللَّيل في السنة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أنّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقومُ منَ الليلِ حتى تتفَطَّرَ قدَماه، فقالتْ عائشةُ : لِمَ تَصنَعُ هذا يا رسولَ اللهِ، وقد غفَر اللهُ لك ما تقدَّم من ذَنْبِك وما تأخَّر؟ قال : أفلا أُحِبُّ أن أكونَ عبداً شَكوراًً) [صحيح البخاري] .
حكم قيام اللَّيل شرعاً
أجمع العُلماء على أنّ قيام اللَّيل سُنَّة، وقد نقل هذا الإجماع عدَّة علماءٍ من السَّابقين واللاحقين، كالإمام النَّوويُ في كتابه المجموع (44/4)، وفي كتابه شرح النَّووي على مسلم (26/6)، كما أنّ ابن عبد البر نقل هذا الإجماع في كتابه الاستذكار (82/2)، وغيرهم كابن حزمٍ، وابن حجر.
وقت قيام النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسلام للَّيل
ذكر العلماء كابن القيِّم أنّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقوم لصلاة قيام اللَّيل بأوقاتٍ مختلفة، فأحيانا كان يقوم في منتصف الليل، وأحياناً قبله أو بعده بقليل، وأحياناً في المنِّصف الثاني من اللَّيل [زاد المعاد (328/1)]، وقد وردت أحاديث اعتمد عليها ابن القيِّم وغيره في هذه الأوقات، ولذلك جاز القيام في هذه الأوقات كلِّها كحديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي يقول فيه: "'(نامَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى انتصَفَ الليلُ، أو قبلَه بقليلٍ، أو بعدَه بقليلٍ، ثم استَيْقَظَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فجَعَلَ يَمْسَحُ النومَ عن وجهِه بيديه ، ثم قرَأَ العشرَ الآياتِ الخواتمَ مِن سورةِ آلِ عمرانَ ، ثم قام إلى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فتَوَضَأَ منها - فأَحَسَنَ وضوءَه ، ثم قام يُصَلِّي ، فصَنَعَتُ مثلَ ما صنَعَ ، ثم ذهبْتُ فقُمْتُ إلى جنبِه ، فوضَعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يدَه اليمنى على رأسي ، وأخَذَ بيدِه اليمنى يَفْتِلُها، فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أَوْتَرَ، ثم اضطجَعَ حتى جاءه المؤذنُ، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرَجَ فصلى الصبحَ) "' [البخاري ومسلم]، وأمّا الحديث الآخر الذي ذكرته عاشة رضي الله عنها عندما سُئلت عن أيِّ حينٍ كان يقوم الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام، فقالت: "'(كان يقوم إذا سمع الصَّارخ) [البخاري ومسلم]، والصَّارخ هو الدِّيك.
عدد ركعات قيام اللَّيل
اختلف العُلماء في عدد ركعات قيام اللَّيل الذي كان يُصلِّيها النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام، إذ إنّ الأحاديث والآثار عن الصَّحابة كانت متعدِّدة، ولذلك ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب مجموع الفتاوى كلَّ هذه الآراء بأدِّلتها، وقال بأنَّ جميع هذه الأقوال حسنٌ، وأيَّد بذلك قول الإمام أحمد بن حنبل، حيث إنّ عدد الرَّكعات ليس له حدٌ في الزِّيادة، كما أنه ليس له حدٌّ في النُّقصان [مجموع الفتاوى (112-114/23)، و(120/23)].
ما يُسنُّ فعله قبل قيام اللَّيل
يُستحبُّ لمن أراد قيام اللَّيل أن يمسح النَّوم عن وجهه في أول لحظةٍ يقوم بها من نومه، ثم يذكر الله، حيث يُسنُّ قراءة آخر عشر آياتٍ من سورة آل عمران، ثمَّ يتوضَّأ ويستاك بالسِّواك، لأنَّ النَّبيَّ عليه الصلاة والسَّلام كان يأمر أصحابه بالسِّواك مع كلِّ صلاة ويقول: (لولا أن أشقَّ على أمتي، أو على الناسِ لأمَرتُهم بالسواكِ معَ كلِّ صلاةٍ) [صحيح البخاري].
صفة صلاة القيام
ذهب جمهور العلماء المالكية [كالحطَّاب في مواهب الجليل (464/2)]، والشَّافعيَّة [كالشربيني في مُغْني المُحتاج (228/1)]، والحنابلة [كالبهوتي في شرح منتهى الإرادات (248/1)]، إلى أنّ صفة صلاة قيام اللَّيل هي ركعتان ركعتان، ثم الوتر بواحدة، وقد استدلُّوا بعدَّة أحاديث كحديث ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "'(صلاةُ الليلِ مَثْنى مَثْنى. فإذا رأيتَ أنَّ الصبحَ يُدركُك فأَوتِرْ بواحدةٍ. فقيل لابنِ عمرَ: ما مَثْنَى مَثْنَى؟ قال: أن تُسلِّمَ في كلِّ ركعتَينِ، قال: فقيل لابن عمر: ما مَثْنى مَثْنى؟ قال: تُسَلِّم في كُلِّ رَكعتَين)"' [صحيح مسلم].
بدء صلاة قيام اللَّيل بركعتين خفيفتين
يقول العلماء كالنَّووي، وابن قُدامة، وغيرهم من العلماء المعاصرين كابن عثيمين، وابن باز، أنَّه من المُستحبُّ بدء صلاة قيام اللَّيل بركعتين خفيفتين، وقد استدلُّوا بعدَّة أحاديث صحيحة، ومنها ما روته عائشة رضي الله عنها، قالت: "'(كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذا قام من الليلِ ليُصلِّيَ، افتتح صلاتَه بركعتَينِ خفيفتَينِ)'" [صحيح مسلم].
حُكمُ المداومة على قيام اللَّيل
نصَّ المالكية [حاشية الصَّاوي (527/1)، والقرافي في الذَّخيرة (407/2)]، والشَّافعية [كالنَّووي في المجموع (44-45/4)، ويُنظَر أيضاُ في البيان للعمراني (282/2)]، والحنابلة [كالبهوتي في كشاف القناع (437/1)] على أنّ المداومة على قيام اللَّيل كلِّه ليس من سُنَّةِ النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسلام؛ حيث ّإنهم استدلُّوا بحديث الرجال الثلاثة: "'(إنَّ رهطًا من الصحابَةِ ذهبوا إلى بيوتِ النَّبِيِّ يسألونَ أزواجَهُ عن عبادتِهِ فلمَّا أُخبِرُوا بها كأنَّهُم تقالُّوها أي : اعتبروها قليلةً ثُمَّ قالوا: أينَ نحنُ مِن رسولِ اللَّهِ وقد غَفرَ اللَّهُ له ما تقدَّمَ من ذنبِهِ وما تأخَّرَ؟ فقال أحدُهُم : أما أنا فأصومُ الدَّهرَ فلا أفطرُ، وقال الثَّاني: وأنا أقومُ اللَّيلِ فلا أنامُ، وقال الثَّالثُ: وأنا أعتَزِلُ النِّساءَ فلمَّا بلغ ذلك النَّبيَّ بيَّنَ لهم خطأَهم وعِوَجَ طريقِهِم، قال لهم : إنَّما أنا أعلمُكُم باللَّهِ وأخشاكم له ولكنِّي أقومُ، وأنامُ، وأصومُ، وأفطِرُ، وأتزوَّجُ النِّساءَ فمَن رغِبَ عن سُنَّتي فليسَ منِّي)"' [غاية المرام].
لكن هذا الموقف وهذا القول لا ينطبق على اللَّيالي التي في رمضان، وخاصَّةً في العشر الأواخر من رمضان، لأنّها ليالٍ مميَّزةٍ عن غيرها، حيث إن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أخبرت عن حال النَّبيِّ في العشر الأواخر من رمضان، فقالت: "'(كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، إذا دخل العشرُ، أحيا الليلَ وأيقظ أهلَه وجدَّ وشدَّ المِئزَرَ)'" [ابن تيمية في مجموع الفتاوى (304/22)]، والحديث أخرجه البخاري ومسلم.
حكم من فاته قيام اللَّيل
يُشرع للمسلم أن يُصلِّي ركعات قيام الليل في النَّهار، وهذا إذا نام عن هذه الصَّلاة أو انشغل عنها، ولكن لا يصلِّيها بوتر، وإنِّما يصليها بعددٍ زوجي، وقد نصَّ على ذلك الحنابلة [كالبهوتي في كشاف القناع (441/1)]، كما أنّ ابن تيمية قال بذلك في مجموع الفتاوى (91/23)، وغيرهم من المعاصرين كابن عثيمين وابن باز، وقد استدلُّوا بحديث عائشة رضي الله عنها إذ قالت: "'(كان إذا غلبه نومٌ أو وجَعٌ عن قيامِ الليلِ صلَّى من النهارِ اثِنتي عشرةَ ركعةً)'" [صحيح مسلم].