حب العمل التطوعي
العمل التطوعي
برز العمل التطوعي بشكله المعروف لأول مرة عام 1755م، حين قدم أحدهم خدمات عسكرية، بعدها انتقل الفعل التطوعي في العقد الثالث من القرن السادس عشر ميلادي إلى مجالات أخرى، مع الإشارة إلى أنّ الإسلام والشرائع السماوية كانت سبّاقة منذ آلاف السنين إلى ذكر العمل التطوعي تحت إطار عمل الخير وحُبه للآخرين، فبرز ذلك من خلال مساعدة النساء على تطبيب الجرحى خلال معارك وغزوات المسلمين مثلاً، وعلى الرغم من أهمية العمل التطوعي ورُقيِّ مفهومه الإنساني إلا أنّ بعض المجتمعات تواجه أزمة في إقناع أفرادها بأهمية القيام به.
حب العمل التطوعي
يُقصد بحُبّ العمل التطوعي هو العمل القائم على أساس تقديم الخدمة أو المساعدة دون مُقابل مادي أو منفعة مُعينة، والتعلق بهذا العمل والرغبة بالقيام به على الدوام أو على الأقل بصورة مُنتظمة، والحرص على الالتحاق بأنشطته وأشكاله المتنوعة.
عوائق العمل التطوعي
لا يتأتى حُبّ الفعل التطوعي بسهولة للأفراد الذين تربوا في بيئات لم تُحرّضهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة على تبني العمل التطوعي كمنهجٍ حياتي، كما تلعب الإفرازات الحديثة للفكر المادي دوراً يصفه البعض بالمتطرف؛ كونه ساهم في بناء شخصيات لا تُلقي بالاً للنشاطات الإنسانية وأهميتها في المجتمع.
هناك بعض العوامل الأخرى التي تقف عائقاً أمام تنفيذ العمل التطوعي وتنمية الشعور بحُب القيام به وهي ظروف الحياة التعيسة التي يمر بها كُثر من الأفراد حول العالم، فكيف لنا أنّ ندعو العائلات والرازحين تحت نيران الحروب والنزاعات العسكرية إلى تبني مفهوم التطوع، وهم لا يشعرون بالأمان على صعيد ممارسة أدنى سلوكٍ حياتي، على الرغم أنّ الظروف الإنسانية غالباً ما تُبرز الحاجة لتطبيق مفهوم التطوع والقيام به، وهذا ما نلحظه بالفعل حين يهب الشبان لإزالة ركام البنايات التي هوّت بفعل القصف الحربي، أو نقل الجرحى نتيجة التعرض للقنص بالرصاص، إلى جانب توزيع المؤن والمساعدات التي تُقدمها وكالات الإغاثة الإنسانية.
ينسحب المثال السابق على ظروف الحياة الأخرى، كحال الكادحين ليل نهار لتحصيل القوت اليومي، فهم لا يملكون الوقت الكافي للتطوع، ومن باب أولى أن يُساعدوا أنفسهم على الحياة وأطفالهم على العيش بكرامة، وربما هذه الفئات هي من تحتاج للدعم بالنشاطات التطوعية لا مطالبتها بالتطوع على حساب ترك أساسيات حياتها تنهار دون حل مُجدٍ.
أهمية العمل التطوعي
النشاطات التطوعية الحقيقة هي تلك التي تُعزز صمود الفرد في وجه الظروف القاسية، وتُساعده على النهوض، والوصول لسقفٍ من الراحة والأمان، ليلتحق بركب المتطوعين الذي أعانوه من قبل، وهو بدوره سيُعين الآخرين الذين سينطلقون هم أيضاً في مسيرة التطوع، وهكذا دواليك حتى جعل التطوع ثقافة لصيقة بالمجتمعات.
لا تتوقف أهمية التطوع عند هذا الحد بل إنّه يُذيب النزعات العرقية والتمييز على أساس الدين، أو الطائفة الدينية، ويُلغي الفروق الاقتصادية والاجتماعية بين البشر، ويُجردهم من كلّ شيء إلا الإنسانية، ذاك المبدأ العظيم الذي تُحارب شعوباً بحالها من أجل تعزيزها وحمايتها من أي انتهاكٍ أو مس، رغم أنّ الواقع لا يُبشر بتلبية النداءات حول ذلك بدليل استمرار الحروب، وتفشي الفقر في كثيرٍ من الدول، والصمت المُعيب عن بعض الاضطهادات الدينية لا سيما للأقليات والأمراض السارية في الدول الفقيرة.
كيفية تنمية حب التطوع
- البدء من الأسرة: يُربي الأبوان الطفل على حُبّ التطوع منذ صغره، وقد يبدأ الأهل بخطوات بسيطة كتعويد الطفل على مُساعدة جده على النهوض، أو إحضار بعض الحاجيات له، وفيما بعد قد تتسع هذه الصور إلى دعوة الطفل للتبرع بقسمٍ من حاجياته للفقراء، وقد يكون من الأفضل أن يصطحب الأهل أبنائهم، عند القيام بالأنشطة التطوعية العامة؛ كي يسهل أمر غرس هذه القيمة الإنسانية في نفوسهم.
- تبني المدرسة لثقافة التطوع: الأمثلة كثيرة حول العمل التطوعي في المدرسة، كتنظيف الصفوف، وحملات التبرع بالقرطاسية، أو المال لضحايا الحروب في الدول المجاورة، وما إلى ذلك من أنشطة خارج المدرسة، كتلك التي يقوم بها بعض الطلبة لتنظيف المساجد مثلاً، لكن على القائمين على رعاية مفهوم التطوع في المؤسسة التربوية النظر بعين الاهتمام أنّ الطالب لن يقتنع بأهمية التطوع وإن قام ببعض أنشطته إذا لم يكن المعلم قدوةً حسنةً له في مجال التطوع، ناهيك عن أنّ عدم تخلي بعض المُدرسين عن الطريقة الرجعية في معاملة الطالب؛ كالزجر، والتأنيب الدائم، والتقزيم، فيُساهم بشكلٍ كبيرٍ في كره الطالب وعدم إيمانه بكل ما يصدر عن المعلم من توجيهات وشروحات بما فيها التطوع، لذا على الإدارة التربوية مراجعة سير العملية التربوية على الأرض قبل مُطالبة التلاميذ برفع حسهم الإنساني المُتمثل بالتطوع.
- إحياء الأمثلة التاريخية حول التطوع: يستطيع رجال الدين من كل الأديان مخاطبة الناس كلاً من منبره أو مكانته الدينية حول أهمية التطوع بالاستعانة ببعض الأمثلة الحية من تاريخ أديانهم، فالدين له تأثيرٌ واضحٌ على المجتمعات، ورغم وضوح العديد من التعاليم الدينية بهذا الخصوص، أو حتى الإشارة إليه في الآيات المُقدسة جميعاً، لكن الأفراد يتأثرون بناقل شرحها وتفسيرها، سواء الشيخ في الإسلام، أم القس أم الخوري في المسيحية.
- تفعيل دور المؤسسات التطوعية: بتزويد تلك المؤسسات بالمال اللازم لتغطية تكاليف أنشطتها التطوعية، مما يوفر لها الحرية المالية في توسيع نطاق أنشطتها، وضم المزيد من المتطوعين تحت جناحها، فكما ذكرنا قد يكون المال أحد العوائق أمام الفرد للالتحاق بالتطوع، وعند تغطية تحركاته ضمن المؤسسة التطوعية، فلن يعود قلقاً بخصوص مشكلته المالية، وسيسعى بالتأكيد إلى التنسيق بين عمله ونشاطه التطوعي.
- السعي لإصلاح أحوال الناس: هذا الدور تتحمله الحكومات والمؤسسات الرسمية، وتتمثل بالقضاء على البطالة من خلال خطط تنموية حقيقية، وتتواءم مع الواقع المُعاش، وتقديم الخدمات الحياتية بجودة أعلى مما هي عليه، كالكهرباء، والماء، والإسكان، بالإضافة إلى ضرورة تسهيل حياة الأفراد أكثر، أو جعل حياتهم في بحبوحة أكثر، وقد يكون خفض الضرائب، والرسوم على الخدمات، والملاحقات الأمنية التي تجري فوق القانون وليس وفقه في بعض الدول، مطلباً شعبياً مُهماً لتحقيق ذلك، فيما قد يكون تعزيز الجانب الترفيهي مطلب آخرين أيضاً للشعور برفاهية العيش والاستقرار.
- تكريم الشخصيات التطوعية البارزة: من خلال الحديث عنها ضمن الكتب المدرسية، أو البرامج الاجتماعية، والمحتوى الإعلامي والثقافي أيضاً، بالإضافة إلى تسمية بعض المبادرات الإنسانية، والمؤسسات المهمة بأسماء تلك الشخصيات، بالإضافة إلى تكريمها بالشكل المعروف ضمن احتفاليةٍ أو مناسبةٍ ما.
- التعريف بأهمية الوقت: إنّ الفرد قد يجُد صعوبة في توزيع وقته، بين أعماله اليومية الخاصة به، وبين أي نشاط تطوعي مُقترح، لذا فإنّ دعوته لإدراك أهمية الوقت، ربما يُشكل عاملاً مُساعداً لدفعه نحو التلفت لأعمال أُخرى من بينها التطوع.