مظاهر النهضة الأوروبية

النهضة الأوروبيّة

النهضة الأوروبية هي مصطلح يُستخدم للإشارة إلى مختلف المذاهب العامة التي ظهرت في أوروبا خلال الفترة التي انهار بها نظام الإقطاع، وظهور المجتمع البرجوازي الأول في الفترة من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وتنوع المذاهب بين الاجتماعية والفلسفية كما يُنظر إليها في تاريخ الفلسفة، حيث حدث في هذه الفترة إحياء التراث الفلسفي، وإحياء الثقافة الإنسانية، كما حدث أثناء النهضة الأوروبية اكتشاف العديد من الأمور العلمية المتتالية، وظهرت مناهج جديدة في التعليم والبحث، وتغيَّر الفكر الاجتماعي والاقتصادي للأوروبيين.[1]

ويمكن القول إن النهضة الأوروبية عبارة عن حركة تجديد شاملة تشتمل على تغيير معظم مظاهر الحياة الأوروبية، وقد ساعدت على ظهور اتجاهات جديدة في تفكير الأفراد وآرائهم، وفي طرق معيشتهم وإنجازهم لأعمالهم، حيث إنهم بدؤوا يتحررون بشكل تدريجي من تلك القيود التي كانت تقيدهم في تفكيرهم ومعيشتهم في الفترة من القرن العاشر إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وكان لهذه الحركة النهضوية دور كبير في رقي المجتمعات الأوروبية في مختلف المجالات الحياتية، وكما كانت لها آثار إيجابية على الأغنياء من الشعوب، كان لها الأثر السلبي على الشعوب الفقيرة والضعيفة أيضاً، حيث بدأت الشعوب القوية في محاولة لطمس هوية الشعوب الضعيفة وإجبارها على التماشي مع مظاهر النهضة الأوروبية.[1]

وبالإشارة إلى عصر النهضة فيمكن القول إنه عبارة عن فترة من الفترات التي مرت بها الحضارة الأوروبية بعد انتهاء العصور الوسطى، وقد كان من سمات هذه الفترة حدوث عدة اكتشافات من أهمها الكشوفات الجغرافية التي كشفت عن وجود قارات جديدة، بالإضافة إلى نمو التجارة وتراجع النظام الإقطاعي (بالإنجليزية: Feudal system)، وفي عصر النهضة تم اختراع العديد من الأمور مثل الورق وآلات الطباعة الأمر الذي طور من التجارة، واختُرع البارود والبوصلة التي استخدمها البحارة، كما تم إحياء طرق التعلم والثقافة الكلاسيكية بعد أن عانت فترة طويلة من الركود،[2] ويرى بعض علماء التاريخ أن عصر النهضة فترة من أهم الفترات التي مر بها تاريخ أوروبا على مر العصور، كما يرى بعض آخر منهم أن مفهوم النهضة مرفوض تماماً، وهناك مجموعة من المؤرخين يجادلون حول إذا ما كانت النهضة الأوروبية بداية العالم الحديث أم لا، إلّا أن أغلب المؤرخين يرون أن النهضة الأوروبية هي أمر فريد من نوعه، وهي عصر له خصائص ومظاهر وعوامل مختلفة أدت إلى ظهوره، فهي فترة بدأت منذ أواخر القرن الخامس عشر وانتهت بانتهاء العصر النابليوني والذي مهدت لانتهائه الثورة الفرنسية.[3]

مظاهر النهضة الأوروبية

من أبرز مظاهر النهضة الأوروبية:[4]

الثورة الفكرية

تعد الثورة الفكرية مظهراً أساسياً من مظاهر النهضة الأوروبية، وهي ثورة داخلية اهتمت بإحياء التراث القديم ليتلاءم مع العصر الجديد، كما اعتنت بشدة في الدين وهدفت إلى إعادته صافياً، فقد كانت الثورة الفكرية عبارة عن ثورة داخلية رجعية عائدة في أساسها إلى القديم الوثني، والمسيحية الجبرية، وقد نجمت عن النهضة ثورة فكرية يتفرع منها خطان متوازيان يسيران باتجاه واحد، أحدهما يهتم بالإنسان وحقيقته ويتعرف عليها، فيما يعتني الآخر بالدين المسيحي ويهدف إلى إعادته إلى أصله دون تحريف.[4]

الثورة الدينية

عمدت الثورة الدينية إلى إفساح المجال وفتح الطريق أمام الثورة الفكرية، حيث إنها أكدت حرية الاعتقاد وفصلت الدين عن السلطة، ومن أهم ما تم إنجازه تبعاً للثورة الدينية هو تجديد أبنية الكنائس التي كانت تدل في قدمها على ركود المجتمع، كما ظهر مفهوم جديد للعقيدة وأصبحت تعني حرية الضمير أو الوجدان، وأصبح الدين ملكاً للمؤمن به وخاصاً به، أي أنه أمر فردي يعني كل فرد دون سواه، الأمر الذي أدى إلى تهميش مفهوم الجماعة أو الطائفة التي تعتنق ديناً معيناً وتسير على مبدأ الجماعة.[4]

الثورة الأخلاقية

تعد الثورة الأخلاقية تابعاً للثورة الدينية، حيث إنّ الثورة الدينية أدت إلى تغيير كبير في القواعد الأخلاقية التي يسير عليها الأفراد في المجتمع، كما ظهر العديد من المصلحين الذي عمدوا إلى تبديل وتحويل قواعد الأخلاق كما يحلو لهم، ومنهم لوثر الذي ساوى بين الإيمان والفضيلة، كما ظهر بفكرتين جديدتين في الأخلاق في القرن السادس عشر الميلادي، أما الفكرة الأولى التي نادى بها فهي وحدة الجنس البشري، فقد كانت أوروبا بشكل عام تعتقد أن البشرية تنطوي على قمسين أساسيين هما المسيحية والوثنية، إلّا أنّ الانفتاح على العالم الجديد أدى إلى التعرف على أقسام بشرية أخرى كانت أوروبا تجهلها، الأمر الذي أدى إلى مناداة لوثر بضرورة وحدة الجنس البشري وعدم انقسامه.[4]

وبالتطرق إلى الفكرة الأخرى التي نادى بها لوثر يمكن القول إنّها تنادي بالتقدم نحو المستقبل والثورة على المعارف القديمة، وكان من أبرز ما دعا إليه نداء التقدم هو الاكتشافات الحديثة والتقدم العلمي واكتشاف الاختلاف بين المعرفة القديمة والمعرفة الحديثة التي تم التوصل إليها، وقد أثرت فكرة التقدم ليس فقط في أقطار أوروبا وإنما انتقلت بدورها إلى الأقطار العربية التي حاولت أن تتماشى مع مظاهر النهضة والانتقال من التخلف إلى ما يجعلها تتقدم وتتطور.[4]

مجالات النهضة الأوروبية

النهضة الأدبية والفنية

وكان من أشهر روّاد النهضة الأدبية والفنية الشاعر الإيطالي دانتي والذي ألّف الكوميدية الإلهية وكان قد استوحاها من الأدب اليوناني والروماني القديم كما جعل من اللغة الإيطالية لغة الكتابة الرسمية، وساهم معه باراسلوس الألماني في إحياء اللغات الحديثة بدلاً من اللاتينية القديمة من خلال إحيائه للألمانية القومية، بالإضافة إلى تشوسر الإنجليزي الذي كتب قصصاً باللغة الإنجليزية، وسرفنتس الإسباني الذي كتب قصة باللغة الإسبانية، وكان من ليوناردو دا فنشي أن يساهم في النهضة من خلال فنه الذي تجلى في رسم لوحات عديدة من أشهرها العشاء الأخير والموناليزا، أما مكيافيلي وهو فيلسوف ومفكر سياسي فقد ساهم في النهضة بتأليف كتاب الأمير، وقد كان أول من كتب في ما يتعلق بالفلسفة السياسية.[5]

النهضة العلمية والفكرية

وكان ممن ساهموا في النهضة الفكرية المهندس بونلسكى الغلورنسى حيث برع في الفن الكلاسيكي الذي تم تطبيقه في الكنائس والكاتدرائيات، وهناك أيضاً لورنزو فاللا وهو ناقد تاريخي والذي قام بعدة أبحاث تاريخية أثبتت حق البابوية في السلطة الزمنية، وممن ساهم في النهضة العلمية روجر بيكون وهو رائد مدرسة البحث العلمي والطريقة التجريبية والعلمية التي مهدت إلى إحياء العلوم، أما يوحنا غوفنيرغ فقد اخترع عملية الطباعة بالحروف المتحركة، وكان من هارفي الباحث الطبي أن يكتشف الدورة الدموية في عام 1616م، وقد نشر نيوتن اكتشافاته عن الجاذبية وقوانينه الخاصة بالحركة، وقامت أسرة آل مدتشي بإنشاء مكتبة تدعى سان جورجو مادجوري للآداب والعلوم والفنون في مدينة البندقية، كما قام جستن بليتون بإنشاء أكاديمية الدارسات الأفلاطونية في مدينة فلورنسا في عام 1438م.[5]

عوامل قيام النهضة الأوروبية

تعددت عوامل قيام النهضة الأوروبية، وكان من أبرز هذه العوامل ما يلي:[6]

• إحياء التراث القديم: فقد كان من أبرز ما ظهر في عصر النهضة والتجديد هو العودة نحو القديم، ويعد التراث من أهم الأمور القديمة التي رجعت إليها النهضة في مظاهرها، فدرست التراث اليوناني، والتراث الروماني، وتعرفت على مزاياه.
• الحركة الإنسانية: فقد تبع إحياء التراث ظهور الحركة الإنسانية التي هدفت إلى قيام الإنسان بدراسته لذاته وحقيقته بمعزل عن مختلف الأفكار والعقائد المحيطة به.
• الطباعة: ساعدت عملية الطباعة بعد اكتشافها في القرن الخامس عشر على نشر التراث القديم التي عمدت النهضة إلى إحيائه، بالإضافة إلى نشر الدراسات الجديدة والكتب، الأمر الذي جعل هذه الأمور في متناول الأيدي والفئات المختلفة من الناس بعد أن احتكرها الأثرياء وطبقة الحكام ورجال الدين في القدم، والجدير بالذكر أن اكتشاف الطباعة أخرج الناس من الركود الذي كانوا يعيشون فيه في العصور الوسطى.
• ظهور اللغات القومية: ومن أهم اللغات القومية التي ظهرت هي اللاتينية القديمة، فقد أصبح الناس يسعون إلى تقليد اللاتينية القديمة إعجاباً بها ولاحتوائها على معانٍ نبيلة وأفكار تفيدهم في حياتهم، فاستخدموا أساليب التعبير الخاصة باللاتينية بالإضافة إلى الاستفادة من أفكارها ومضمونها.
• النهضة الفنية: بالرغم مما حققته الحركة الفنية التي ظهرت في بداية القرن الثاني عشر الميلادي من التقدم الكبير في العمارة وفن النحت، إلّا أن النهضة الفنية أحدثت إحياءً للتراث الفني، وجسدت الإنسان من خلال النحت والرسم، وبذلك خرج الفن من زاوية الاستنساخ إلى زاوية التعبير الحر، فأصبح الفنان في عصر النهضة حراً في تعبيره عن عقله وأفكاره.

إيطاليا مهد النهضة الأوروبية

تعد إيطاليا مهد النهضة الأوروبية، فقد كانت هي العامل الذي أدى بالنهضة إلى درجة النضوج، فبدأت النهضة منها لتنتشر في جميع أنحاء أوروبا تدريجياً، ومن الأمور التي جعلت إيطاليا منطلق النهضة الأوروبية:[6]

• مدن إيطاليا: فقد كانت المدن الإيطالية مثل فلورنسا، والبندقية مهيئة لاستقبال العلوم والفنون المختلفة، فقد تخلصت من النظام الإقطاعي واستقلت بنفسها وتحررت فكرياً، كما ازدادت ثروتها، وتطورت الصناعة فيها، وبدأ طلاب العلم فيها بدراسة الفن القديم، والآداب والعلوم المختلفة، كما قامت في هذه المدن الحكومات القوية التي تقوم في نظامها على ما يشبه الحضارة الإغريقية القديمة، والتي شجعت على عمل الأدباء والفنانين، وأصبحت كل مدينة تتنافس مع الأخرى في الإبداع الفني واقتناء الكتب وبناء الكنائس والسعي نحو الكمال والازدهار.
• موقع إيطاليا الجغرافي: كانت لإيطاليا أهمية كبيرة لوقوعها على مركز التجارة العالمي وهو ساحل البحر الأبيض المتوسط، فكانت حلقة الوصل بين أوروبا والدول الواقعة شرق البحر المتوسط ودول الشرق الأدنى، الأمر الذي أكسبها ثروة كبيرة بتطور تجارتها وتوسعها وتطور صناعاتها، كما أن ذلك ساعد في الاتجاه نحو الفن ودراسة العلوم والآداب، ففي ثراء إيطاليا فائدة تعود عليها في اقتناء الكتب واللوحات الفنية النادرة، كما أن الطلاب الإيطاليين استطاعوا بفضل موقعها المتميز أن ينهلوا من علم الوجهات الأوروبية الأخرى.
• الحضارة الرومانية القديمة: كانت أوروبا مهد الحضارة الرومانية وأصلها، الأمر الذي جعلها السباقة في مجال النهضة، فالحضارة الرومانية تنطوي على العديد من العلوم والآداب والآثار، مما منح الإيطاليين الفرصة ليتصلوا بالأدب الروماني القديم، كما بدأ فنانو النهضة بالسير على نهج النحت والتصوير والنقش الروماني في فنهم، وانتقلوا بعد ذلك من محاكاة الفن القديم إلى الإبداع والابتكار، وتعلموا اللغة اللاتينية واستفادوا من أفكارها في نهضتهم وتقدمهم.
• مقر البابوية: وُجد مقر البابوية التي كانت عاملاً مشجعاً للنهضة في إيطاليا، وقد كان للبابوية أثر كبير في نفوس الإيطاليين لما تمتلكه من سلطة واسعة، فقد كانت تمنحهم الشعور بأنهم مسيطرين دينياً على أوروبا بأكملها.

المراجع

1. ^ أ ب ، المشروع النهضوي عند عبدالله العروي ، صفحة14-15. بتصرّف.
2. ↑ "Renaissance", www.britannica.com, Retrieved 2018-3-11. Edited.
3. ↑ "Renaissance", www.encyclopedia.com, Retrieved 2018-3-11. Edited.
4. ^ أ ب ت ث ج ، المشروع النهضوي عند عبدالله العروي ، صفحة 18-20. بتصرّف.
5. ^ أ ب ، النهضة الأوروبية، صفحة 4-5. بتصرّف.
6. ^ أ ب أ. ستار علك عبد الكاظم الطفيلي (2013-1-27)، "عصـر النهـضة"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-11. بتصرّف.