عرّف الشيخ ابن باز التقوى، فقال: "تقوى الله سبحانه، هي عبادته، بفعل الأوامر وترك النواهي عن خوف من الله، وعن رغبة فيما عنده، وعن خشية له سبحانه، وعن تعظيم لحرماته، وعن محبةٍ صادقةٍ له سبحانه ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم"، فالتقوى تتحقق بفعل ما أمر الله -تعالى- به، وترك ما نهى عنه من المحرمات، خشيةً من الله، وخوفاً منه ومحبةً له، وتشمل التقوى أكثر من ذلك، فيدخل فيها كل ما في القلب من الخشية، والتوقير، والتعظيم، والمراقبة، وغيرها، والتقوى لها جانبان: فعل الطاعات، واجتناب معصية الله، وكله صادر عن أمر الله بالطاعة، ونهيه عن المعصية، والمتقي لله يريد بتقواه الأجر من الله، والنّجاة من عذابه.[1]
يتصف المتقون بصفاتٍ كثيرةٍ، فمن توافرت فيه هذه الصفات كانت فيه حقيقة التقوى، حيث بيّنها القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وفيما يأتي بعض هذه الصفات:[2]
يعدّ القلب الموضع الأصلي للإيمان، وإيمانه أهم جزء من أجزاء الإيمان، وعليه فإنّ عمل الجوارح لا تنفع دون إيمان القلب، ثمّ إنّ العقلاء جميعهم متفقون بأنّ الأفعال التي تصدر من الإنسان لا تكون دون إرادةٍ من القلب، وإلا لكان فاعلها مجنوناً، أو فاقداً للإرادة، فالقلب هو مصدر التوجيه، والأساس الذي يصدر عنه الخير والشر، فإن كانت إرادته إيمانيةً كانت الأفعال إيمانيةً، وإن كانت إرادته الكفر والنّفاق كانت الأفعال كذلك، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ألا وإنَّ في الجسد مُضغةً: إذا صلحت صلح الجسدُ كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلبُ)،[3] فالمنافق لا يسمى مؤمناً حتى مع كثرة ما يصدر منه من صلاةٍ وصيامٍ وغيرها.[4]
إن للتقوى ثلاث مراتب مجتمعة في قوله الله تعالى: (ثُمَ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيرَاتِ)، [5] فأعلى مرتبة من مراتب التقوى؛ أن يكون المؤمن سابقاً بالخيرات؛ بأداء الفرائض، وترك المحرمات، والاجتهاد في أنواع الخير، ثمّ تأتي مرتبة الأبرار المقتصدين، فهؤلاء قاموا بأداء الواجبات، واجتناب المحرمات، لكنهم لم يسابقوا بفعل الخيرات، وإنّما اقتصروا على أداء الواجبات وترك المحرمات، ويقال لهم المقتصدون أو الأبرار، أمّا أدنى مراتب التقوى فهي مرتبة الموحد لله عزّ وجلّ، لكنه ظالمٌ لنفسه بارتكاب بعض السيئات والمعاصي، ولهذه المرتبة درجاتٌ تختلف باختلاف المعاصي التي يرتكبها الإنسان، وكلما قلّ ارتكابه للمعاصي كان ظلمه لنفسه أقل، وكلما زاد كان ظلمه لنفسه أكبر.[6]
أوصى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالتقوى، فقال عليه الصلاة والسلام: (أُوصيكُم بتقْوى الله عزَّ وجلَّ)،[7] حيث إنّ الكثير من النّاس لا يهتمّون لأمر التقوى، ولا يجعلونه مقياساً للتفاضل فيما بينهم، وميزاناً للاحترام والتقدير، فالكثير منهم يقدّرون ويحترمون ويتودّدون لصاحب الجاه والمال والسلطان، وليس هناك جاهٌ ولا سلطانٌ إلا لله، فالمقياس الحقيقي والشرعي للتمييز بين النّاس هو التقوى، كما قال الله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، [8] فأكرم النّاس وأقربهم إلى الله هم الأتقياء، والتقوى خير ما يتزود به الإنسان لآخرته ويوم رحيله، والله -عزّ وجلّ- جعل كل الخير في التزامها، كما جعل فيها صلاح أمر المرء، فكلما صلح القلب بالتقوى صلحت سائر جوارح جسده، وعليه فإنّ من آثارها ولوازمها؛ صلاح عمل الجوارح، وما يظهر عليها من الخير، فذلك يدل على أنّ القلب ممتلىء بتقوى الله، ثمّ بعد ذلك يتولّى الله البواطن والسرائر؛ بحفظها من الوقوع بالذنوب والمعاصي.[9]
إنّ التقوى خير زادٍ يتزوّد به العبد، كي يحقق مصلحته في الدنيا والآخرة، وقد رتّب الله -تعالى- على التقوى فضائل وثمرات عديدة في الدنيا والآخرة، وفيما يأتي بيانٌ لهذه الفوائد:[10]