ما هو القنوت
القنوت
إنّ للقنوت في اللغة عدّة معانٍ، منها ما جاء في لسان العرب: القنوت: الإمساك عن الكلام، وقيل الدّعاء في الصّلاة. والقنوت: الخشوع والإقرار بالعبوديّة، والقيام بالطاعة التي ليس معها معصية، وقيل: القيام، وقيل: إطالة القيام، ويرد بمعانٍ متعدّدة: كالطاعة، والخشوع، والصّلاة، والدّعاء، والعبادة، والقيام، وطول القيام، والسّكوت. قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) سورة النحل،120.
ما هو القنوت
إنّ معنى القنوت هو الدّعاء والطاعة، ويعني أيضاً السّكوت، وهو إطالة القيام في الصّلاة كذلك. وإنّ أفضل دعاء ورد في القنوت ما رواه الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - كلمات أقولهنّ في الوتر: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرّ ما قضيت، إنّك تقضي ولا يقضى عليك، وإنّه لا يذلّ من واليت، ولا يعزّ من عاديت، تباركت ربّنا وتعاليت) رواه أبو داود، والترمذي، وحسّنه.
ويعدّ القنوت سنّةً في صلاة الوتر، وذلك لجميع أيّام العام، حيث أشار إلى ذلك أحمد وغيره، ومن الأفضل أن يكون القنوت بعد الرّكوع، وفي حال قام به المسلم قبل الركوع فلا بأس في ذلك، وذلك لما روى حميد قال: (سُئل أنس عن القنوت في صلاة الصّبح فقال: كنّا نقنت قبل الرّكوع وبعده) أخرجه ابن ماجه.
وأمّا قنوت صلاة الصّبح فقد اختلف الأئمة حول مشروعيّته، فقد ذهب كلّ من أحمد وأبو حنيفة إلى أنّ القنوت في صلاة الصّبح ليس بسنّة، ولا في غيرها من الصّلوات، ما عدا الوتر، وذلك لما رواه مسلم، أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قنت شهراً يدعو على حيّ من أحياء العرب، ثمّ تركه، وعن أبي مالك قال: (قلت لأبي إنّك صليت خلف رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ههنا بالكوفة نحواً من خمس سنين، أكانوا يقنتون في الصّبح؟ قال: أي بنيّ محدث) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
وقد كان عمر رضي الله عنه يقنت في صلاة الصّبح، وذلك بحضور الصّحابة وغيرهم، والخلاف في هذا الأمر يتّسع للجميع، لأنّ هذا يعدّ من الخلاف المعتبر، ولا ينكر فيه أيّ رأي على المخالف. (1)
أركان القنوت
إنّ القنوت في صلاة الوتر يقوم على عدّة أركان، هي: (2)
- الرّكن الأول: وهو القانت، ويعرف بأنّه من يتلو دعاء القنوت في حال كان إماماً أو منفرداً، والمؤمّن على الدّعاء في حال كان مأموماً، وذلك لأنّ التّأمين يأتي في معنى الدّعاء، قال الله سبحانه وتعالى: (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ) سورة الزّمر، 9 .
- الرّكن الثّاني: وهو صلاة الوتر، والمقصود بذلك حال القيام في آخر الصّلاة، وذلك لمن كان يصلّي قائماً، أو قبل أن يسجد لمن صلّى قاعداً.
- الرّكن الثّالث: وهو ألفاظ القنوت، وهو الدّعاء الذي يقوم المسلم بتلاوته أو التّأمين عليه.
أنواع القنوت
للقنوت في الصّلاة نوعين، اختلف الفقهاء حول أحكام كلّ منهما، وفي ما يأتي توضيح لذلك.
القنوت في رمضان
هناك اختلاف بين العلماء في حكم أن يقنت المسلم في صلاة الوتر في شهر رمضان، والمستحبّ هو القنوت في الوتر في رمضان، والدّليل على ذلك حديث الحسن بن علي قال: (علمني رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - كلمات أقولهنّ في قنوت الوتر...) إلى آخر الحديث، وأمّا وجه الاستدلال في ذلك فهو أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قام بتعليم الحسن كيفيّة القنوت في الوتر، ولم يختصّ بذلك وقتاً دون الآخر، وتعليمه ذلك يدلّ على استحبابه له.
وكذلك حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول في آخر وتره: (اللهم إنّي أعوذ برضاك من سخطك...) إلى آخر الحديث، وأمّا وجه الاستدلال في ذلك فهو أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - كان يقنت في صلاة الوتر، وهذا أمر عامّ في كلّ صلاة وتر، وقيامه بذلك يدلّ على استحبابه للأمر. (2)
القنوت في غير رمضان
هناك اختلاف بين العلماء حول حكم القنوت في صلاة الوتر في غير شهر رمضان، والرّاجح أنّه يُشرع القنوت في صلاة الوتر في غير شهر رمضان، والدّليل على ذلك حديث الحسن بن علي قال: (علمني رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - كلمات أقولهنّ في قنوت الوتر ..)، وأمّ وجه الاستدلال في ذلك فهو قيام النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - بتعلم الحسن كيفيّة القنوت في صلاة الوتر، ولو أنّ ذلك كان أمراً غير مشروع لمّا علمه إيّاه النّبي صلّى الله عليه وسلّم. (2)
ألفاظ القنوت
هناك العديد من الألفاظ التي وردت في السّنة النّبوية، والتي تذكر دعاء القنوت، ومنها: (2)
- حديث الحسن بن علي قال: (علّمني رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - كلمات أقولهنّ في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرّ ما قضيت، إنّك تقضي ولا يقضى عليك، إنّه لا يذلّ من واليت، تباركت ربّنا وتعاليت) أخرجه أبو داوود والترمذي .
- حديث علي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول في آخر وتره: اللهم إنّي أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) أخرجه أبو داوود والترمذي .
- حديث ابن عباس قال:" كان النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - إذا قام يتهجّد من الليل قال: اللهم لك الحمد أنت نور السّموات، والأرض، ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت قيِّم السّموات، والأرض، ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت ملكُ السّموات، والأرض، ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت الحقّ، ووعدك حقّ، ولقاؤك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والسّاعة حقّ، ومحمّد حقّ، والنّبيون حقّ. اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكّلت وإليك أنبت، وبك خاصمت وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت، وما أخّرت، وما أسررت، وما أعلنت. أنت المقدّم وأنت المؤخّر، لا إله إلا أنت) أخرجه البخاري .
- حديث ابن عباس: (إنّه انصرف ليلة صلّى مع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فيها، فسمعه يدعو في الوتر، فقال: اللهم إنّي أسألك رحمةً من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري، وتلم بها شعثي، وترفع بها شاهدي، وتحفظ بها غائبي، وتُلهِمُني بها رشدي، وتعصمني بها من كل سوء، اللهم إنّي أسألك رحمةً من عندك أنالُ بها شرف كرامتك في الدّنيا والآخرة. اللهم ذا الأمر الرّشيد والحبل الشّديد، أسألك الأمن يوم الوعيد، والجنّة يوم الخلود، مع المقرّبين الشّهود، إنّك رحيم ودود، وأنت فعّال لما تريد. اللهم هذا الجهد وعليك التّكلان، وهذا الدّعاء وعليك الاستجابة، ولا حول ولا قوّة إلا بالله. اللهم إنّي أسألك الفوز عند القضاء، ومنازل الشّهداء، وعيش السّعداء، والنّصر على الأعداء، إنّك سميع الدّعاء. اللهم اجعلني حرباً لأعدائك، سلماً لأوليائك أحبّ بحبّك النّاس، وأعادي بعداوتك من خالفك. اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، واجعل فوقي نوراً، وتحتي نوراً، وأعظم لي نوراً. سبحان الذي لبس العزّ وقال به، سبحان الذي لا ينبغي التّسبيح إلا له، سبحان الذي تعطّف بالمجد وتكرّم، سبحان ذي المنّ والطول) أخرجه ابن خزيمة، وأصله في صحيح مسلم .
حكم القنوت
اختلف العلماء في حكم القنوت في شهر رمضان وفي غيره، وفي ما يأتي تفصيل ذلك.
حكم القنوت في رمضان
للعلماء خمسة أقوال في حكم القنوت في صلاة الوتر في شهر رمضان، وهي على النّحو الآتي: (2)
- القول الأوّل: استحباب القنوت في صلاة الوتر في شهر رمضان، وهذا قول كلّ من الحنفيّة، والشّافعية في وجه، وأحمد في رواية، وهي المذهب، وهو قول كلّ من عمر، وعليّ، وابن مسعود، وأبي هريرة، والحسن، وعطاء، وأبي ثور، والنخعي.
- القول الثّاني: استحباب القنوت في صلاة الوتر في النّصف الآخر من شهر رمضان، وهذا قول كلّ من الشّافعي، وأحمد في رواية، وأنس بن مالك، وعلي، وأبيّ بن كعب، وابن عمر في رواية، ومعاذ القاري.
- القول الثّالث: عدم مشروعيّة القنوت في صلاة الوتر في شهر رمضان إلا في النّصف الآخر منه، وهذا قول كلّ من مالك في رواية، وهو رواية عن قتادة، وقول للحسن، ومعمّر.
- القول الرّابع: عدم مشروعيّة القنوت في صلاة الوتر في شهر رمضان إلا في النّصف الأوّل منه، وهذا هو قول كلّ من الحسن، ومعمّر، وقتادة، وأبي ثور.
- القول الخامس: عدم مشروعيّة القنوت في صلاة الوتر في شهر رمضان، وهذا رواية عن مالك، وقول لكلّ من أبي هريرة، وابن عمر في رواية عنهما، وعطاء في قول.
حكم القنوت في غير رمضان
للعلماء قولان في حكم القنوت في صلاة الوتر في غير شهر رمضان، وهما: (2)
- القول الأوّل: مشروعيّة القنوت في صلاة الوتر في غير شهر رمضان، وهذا قول عامّة أهل العلم، سواءً من الحنفيّة، أو الشّافعية، أو الحنابلة، وقد قال به كلّ من عمر، وعلي، وابن مسعود، وأنس بن مالك، والحسن، وعطاء، والنخعيّ، وإسحاق، وأبي ثور، وقتادة، ومعمّر، والأوزاعي.
- القول الثّاني: عدم مشروعيّة القنوت في صلاة الوتر في غير شهر رمضان، وهذا قول كلّ من مالك، وأبي هريرة، وابن عمر، وعطاء في قول، وطاووس، وابن شهاب الزّهري.
موضع القنوت
هناك اتفاق من العلماء على أنّ القنوت لا يكون إلا في الرّكعة الأخيرة من صلاة الوتر، وقد اختلفوا في موضع القنوت من الرّكعة على أربعة أقوال، وهي: (2)
- القول الأوّل: استحباب القنوت بعد الرّكوع، وهذا وجه عند الشّافعية، وهو رواية عن أحمد، وهي المذهب كذلك.
- القول الثّاني: استحباب القنوت قبل الرّكوع، وهذا هو قول المالكيّة، وأحمد في رواية.
- القول الثّالث: عدم مشروعيّة القنوت إلا بعد الرّكوع، وهذا هو وجه عند الشّافعية، وهو المذهب عندهم.
- القول الرّابع: عدم مشروعيّة القنوت إلا قبل الرّكوع، وهذا قول الحنفيّة، ووجه عند الشّافعية كذلك.
المراجع
(1) بتصرّف عن فتوى رقم 3394/ دعاء القنوت، معناه وحكمه/24-3-2000/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ .islamweb.net
(2) بتصرّف عن كتاب القنوت في الوتر/ الوليد بن عبد الرحمن بن محمد آل فريان/ دار ابن الأثير للنشر والتوزيع- المملكة العربية السّعودية/ الطبعة الأولى.