-

ما حكم تغطية الوجه

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

حجاب المرأة المسلمة

يريد الإسلام من المرأة أن تحافظ على نفسها من نظر الكائدين، ومن أيدي العابثين، وتحافظ على دينها وأخلاقها، وعفتها وطهارتها، ولذلك شرع لها الحجاب الشرعي، صيانة عليها من الرذائل والانحطاطات، وتحقيقاً للسّتر والخير والتقوى، إلا أن الشيطان سعى في نشر العُرّي وعدم الستر، واستجاب البعض لأمره، فانتشرت مظاهر مخالفة الحجاب والستر والعفة في الجاهلية، حتى وصل بهم الحال إلى الطواف بالبيت دون أي لباس متحجّجين بدين الآباء وأمر الله، إلا أن الله -تعالى- بيّن حقيقة ذلك بقوله: (وَإِذا فَعَلوا فاحِشَةً قالوا وَجَدنا عَلَيها آباءَنا وَاللَّـهُ أَمَرَنا بِها قُل إِنَّ اللَّـهَ لا يَأمُرُ بِالفَحشاءِ أَتَقولونَ عَلَى اللَّـهِ ما لا تَعلَمونَ)،[1] فبيّن الإسلام بمجيئه الأعمال الباطلة وألغاها، وأمر المرأة بالحجاب والستر، فخاطب الله -سبحانه- رسوله محمد -عليه الصلاة والسلام- قائلاً: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ)،[2] وأمر الإسلام المرأة كذلك بستر زينتها والفتنة الظاهرة منها إلا إن ظهرت لضرورة أو من غير قصد، حيث قال الله سبحانه: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)،[3] وكذلك ورد الأمر للمسلمين بغضّ أبصارهم عمّا حُرّم عليهم، تحقيقاً لطهارة القلوب وحفظاً للدين وردّاً للفتن.[4]

حكم تغطية الوجه

النقاب في اللغة اسم مفرد والجمع منه نُقُب، ويعرف النقاب بأنه القناع أو الخمار أو الحجاب، وهو ما تضعه المرأة وتستر به أنفها ووجهها، وتجعل العين وما تحتها بقليل دون ستر،[5] أمّا في الاصطلاح فالنِّقاب هو ما تغطّي المرأة به وجهها دون عينيها، ويطلق عليه أيضاً البرقع، ويشترط فيه ستر الخدين، وعدم اكتحال العينين، وعدم الفتنة بإظهار العينين، وانعدام الزينة في نفسه، ويضاف إلى ما سبق وجود الحاجة والمبرر،[6] إلا أن العلماء من سالف العصر اختلفوا في حكم تغطية المرأة لوجهها، وفيما يأتي بيان ذلك بنحوٍ مفصّلٍ:[7]

  • ذهب الجمهور من الفقهاء والأئمة إلى القول بعدم وجوب النقاب، وجواز كشف المرأة لوجهها وكفيها أمام الرجل الأجنبي عنها، غير المحرم لها، وذلك ما عُرف عن العلماء دون إنكار، وما اشتهر من غير هجر، وذلك ما دلّت عليه الآثار المروية عن الصحابة -رضي الله عنهم-، وما نصّ عليه الفقهاء في الكتب الخاصة بهم، ومن ذلك ما ورد في كتاب الأخيار الحنفي: (ولا ينظر إلى الحرة الأجنبية، إلا إلى الوجه والكفين، إن لم يخف الشهوة.. وعن أبي حنيفة: أنه زاد القدم، لأن في ذلك ضرورة للأخذ والإعطاء، ومعرفة وجهها عند المعاملة مع الأجانب، لإقامة معاشها ومعادها، لعدم من يقوم بأسباب معاشها)، والمرجع في ذلك قول الله -تعالى-: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)،[8] فقال عامة الصحابة بما يخصّ الآية السابقة: (الكحل والخاتم)، ويُقصد من ذلك موضعهما، بحذف المضاف وجعل المضاف إليه موضع المضاف، كما رُوي في الكتاب المالكي للدردير المُسمى بالشرح الصغير: (وعورة الحرة مع رجل أجنبي منها أي ليس بمحرم لها جميع البدن غير الوجه والكفين، وأما هما فليسا بعورة)، وقال الشيرازي الشافعي في كتاب المهذّب: (وأما الحرة فجميع بدنها عورة، إلا الوجه والكفين)، وبيّن النووي أن قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (ولا تَنْتَقِبْ المرأةُ المُحْرِمَةُ ، ولا تَلْبَسْ القُفَّازَينِ)،[9] أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى المُحرمة عن ستر وجهها وكفيها، ولو كانا عورة لما حرّر سترهما، وبيّن ابن قدامة الحنبلي في كتاب المغني: (لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة، وأنه ليس لها كشف ما عدا وجهها وكفيها).
  • استدلّ القائلين بوجوب النقاب بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)،[10] ووجه الدلالة من الآية السابقة أن إدناء الجلابيب يكون بستر جميع الوجه إلا عين واحدة للإبصار بها، كما أن الجلباب مختلفٌ معناه في اللغة، واستدلوا بوجوب النقاب بسد الذرائع، أي وجوب النقاب لمنع الوقوع في المحرّمات.

أجمع علماء المسلمين على وجوب الحجاب على المرأة المسلمة البالغة العاقلة الحرة، واشترطوا له عدّة شروط لا بدّ من توفرها في الحجاب الشرعي باسْتنباطها من النصوص الشرعية، وفيما يأتي بيانها:[4]

  • ستر الحجاب لجميع البدن، إلا أن الخلاف وقع في الوجه والكفين كما تم بيانه آنفاً، ودليل ذلك ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: (يا أسماءُ إن المرأةَ إذا بلغتِ المَحِيضَ لم يَصْلُحْ أن يُرَى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهِه وكَفَّيْهِ).[11]
  • ألا يكون الحجاب في نفسه زينة، حيث نهى الله تعالى النساء عن إظهار زينتهن، فقال: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)،[12] فكل ما يلفت أنظار الأجانب من الرجال، يعد من الحجاب المزيّن بنفسه.
  • ألا يُظهر الحجاب ويشفّ ما تحته، فإن كان كذلك فلا يكون حجاباً في حقيقته.
  • أن يكون الحجاب واسعاً فضفاضاً بحيث لا يصف جسم المرأة، فالحجاب شُرِع لدرء الفتنة، وذلك لا يتحقق إلا بالحجاب الواسع الفضفاض.
  • ألا يكون الحجاب مُعطّراً مُبخّراً مُطيّباً، لأن ذلك مما يحرّك الشهوات في النفوس، ولذلك فقد نهى الله -تعالى- المرأة عن التطيّب.
  • ألا يكون في الحجاب تشبّهاً بالرجال، حيث ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام - اللعن لمن تشبهت بالرجال.
  • ألا يكون في الحجاب تشبّهاً بالكفار، حيث ورد النهي للمسلمين ذكوراً وإناثاً بعدم التشبّه بالكافرين، سواءً في عبادتهم أو أعيادهم أو لباسهم الخاص بهم.
  • ألا يكون الحجاب لباس شهرة للمرأة بين النساء، سواءً باللون أو الشكل أو الثمن أو غير ذلك.

المراجع

  1. ↑ سورة الأعراف، آية: 28.
  2. ↑ سورة الأحزاب، آية: 59.
  3. ↑ سورة النور، آية: 31.
  4. ^ أ ب "حجاب المراة المسلمة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-12-2018. بتصرّف.
  5. ↑ "تعريف ومعنى نقاب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2-12-2018. بتصرّف.
  6. ↑ "شروط لبس النقاب"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2-12-2018. بتصرّف.
  7. ↑ "هل النقاب واجب؟"، fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-12-2018. بتصرّف.
  8. ↑ سورة النور، آية: 31.
  9. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1838، صحيح.
  10. ↑ سورة الأحزاب، آية: 59.
  11. ↑ رواه الألباني، في غاية المرام، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 187، حسن.
  12. ↑ سورة النور، آية: 31.