-

ما هو الربا

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الربا

يُعدّ الربا من الكبائر التي جاء الإسلام بإعلان الحرب على كُلّ من يتعامل به، حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (اجتَنبوا السَّبعَ الموبقاتِ، قالوا: يا رسولَ اللهِ: وما هنَّ؟ قال: الشِّركُ باللهِ، والسِّحرُ، وقتلُ النَّفسِ الَّتي حرَّم اللهُ إلَّا بالحقِّ، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليتيمِ، والتَّولِّي يومَ الزَّحفِ، وقذفُ المحصَناتِ المؤمناتِ الغافلاتِ)،[1] حيث أحلّ الله -تعالى- البيع الذي يعمل على حفظ المجتمع، ونشر السعادة في جميع أرجائه، وشرع الزكاة لتطهير النفوس من الحسد والحقد، وحرّم الربا الذي يعتبر من أهم الأساليب الفاسدة في التعامل، ومن الأعمال الجائرة التي تحرِم المُرابي في حياته من السكينة والبركة في ماله وولده، كما أنّ هذا العذاب ينتقل مع المُرابي إلى قبره، فمن تعامل بالربا عرّض نفسه للحرب التي أعلنها الله -تعالى- على كلّ مرابٍ، فهي حربٌ كلّها دمارٌ وفسادٌ، ومحقٌ للبركة والخير من حياة المُرابي وبعد مماته، فالله -تعالى- حرّم الربا بجميع أقسامه؛ للضرر الكبير الذي يُلحقه المرابي بنفسه وبمجتمعه، والعبد لا يدري متى يحين أجله، وينتقل الى جوار ربّه، فعليه اجتناب المحرّمات، وطلب القرب من الله -تعالى- في كلّ حينٍ، فمن أصرّ على الربا بعد علمه بحرمته طُرِد من رحمة الله، وحُرِم من الجنة،[2] وقد شاع الربا في هذا الزمان بين كثيرٍ من الناس، واختلطت به المعاملات التجارية، فأصبح الناس يُعانون من قلّة البركة في حياتهم، وعلى الرغم من ابتكار الآلات التي تعمل على زيادة الإنتاج، إلّا أنّ الفقر والجوع في تزايدٍ مستمرٍ، وبالربا يصبح المال غايةً تسيطر على الإنسان بدلاً من أن يكون وسيلةً يسعى من خلالها للرخاء، فقد وصف أحد الاقتصاديين الربا بأنّه تجارة الموت؛ لأنّه يقضي على العُملات التي من شأنها أن تُفقر الشعوب، كما يؤدّي الربا الى انتشار الجرائم؛ لأنّها تعمل على أن يأكُل القوي الضعيف،[3] والربا من الأعمال الجاهلية فهو كسبٌ من غير عملٍ، كما أنّ الربا أعظم عند الله -تعالى- من الزنا، فالزنا يقتصر في ضرره على الزاني، والزانية، وعائلاتهما، أما الربا فيتعدّى ضرره حتى يصل الى إفساد المجتمع، وقد يكون الربا سبباً للزنا؛ لما يتسبّب به من الحاجة في المجتمعات.[4]

أنواع الربا المحرّم

ينقسم الربا عند جمهور الفقهاء إلى عدّة أقسامٍ، منها: ربا البيوع؛ والذي اشتهر باسم ربا الفضل، وربا النسيئة والذي يُسمّى بربا الجاهلية؛ لأنّهُ لم يُعرف في الجاهلية سوى هذا النوع من الربا، وهو الذي يُؤخذ لوجود أجلٍ حتى يتم تأخير سداد الدين إلى موعدٍ جديدٍ، سواءً أكان هذا الدين قرضاً أم مبيعاً، وقد ورد تحريم هذا النوع بالقرآن الكريم، وربا النساء، وهذا النوع يتطلّب الزيادة في أحد العوضين، أمّا ربا البيوع فيكون في الذهب، والفضة، والحنطة، والشعير، والملح، وقد حرّمه الفقهاء بالقياس؛ للزيادة التي فيه من غير عوضٍ، ولا يُنظر فيه إلى القيمة بل يُنظر إلى الكمية، فيكون الربا فيما يُكال ويوزن، وينقسم ربا البيع عند الشافعية إلى ثلاثةٍ أنواعٍ، وهي:[5]

  • ربا الفضل: ويعني البيع مع زيادة أحد العوضين على الآخر، وتُدفع الزيادة دون اعتبار التأخير، ويكون بما اتحد جنسه، مثل: بيع غرامٍ من الفضة بغرامٍ ونصفٍ، وقد اتفق الفقهاء على تحريمه؛ لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا تَبيعوا الذَّهبَ بالذَّهبِ، إلَّا مِثلاً بِمِثلٍ، و لا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ، ولا تبيعوا الوَرِقَ بالوَرِقِ، إلَّا مِثلًا بمثلٍ، ولا تُشِفُّوا بعضَها على بَعضٍ، ولا تَبيعوا منها غائباً بناجِزٍ)،[6] والوَرِق يعني الفضة.
  • ربا اليد: وهو البيع مع تأخير القبض دون ذكر الأجل، كبيع الشعير مُقابل القمح دون استلام أيٍ منهما، أو أحدهما في مجلس العقد.
  • ربا النسيئة: وهو البيع إلى أجلٍ مع طلب الزيادة عند حلول الأجل، سواءً اتحد الجنس؛ كأن يكون ذهبٌ بذهبٍ، أم لم يتحدّ كأن يكون قمحٌ بِشعيرٍ، وسواءً أكانا متساويين أم مُتفاضلين، والدليل على تحريم هذا النوع من الربا قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ولا تَبيعوا منها غائباً بناجِزٍ)؛[6] أي أن يكون أحدُ العوضين مؤجّلٌ، والآخر حاضرٌ.

أسباب تحريم الرّبا

حرَّم اللهُ -تعالى- الربا للعديد من الأضرار الأخلاقية و الاقتصادية، ومنها:[7]

  • البطالة؛ حيث يتم تحصيل المال عن طريق الربا من غير بذل أي مجهودٍ، أوعملٍ؛ ممّا يؤدي إلى تجميد الطاقة البشرية وهدرها.
  • إضعاف قُوى المسلمين؛ بوضع أموالهم في أيدي الكفار.
  • بعث المُرابي يوم القيامة في حالةٍ من الجنون، ونزع البركة من ماله في الحياة الدنيا.
  • الطرد من رحمة الله تعالى، والوصول بالمجتمع إلى حالةٍ من الدمار، حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبا، ومُوكِلَه، وشاهدَيْه، وكاتبَه، وقال صلّى الله عليه وسلّم: ما ظهَرَ في قَومٍ الرِّبا والزِّنا، إلَّا أحَلُّوا بأنفُسِهم عِقابَ اللهِ عزَّ وجلَّ).[8]
  • عدم استجابة الدعاء، ومنع قبول الصدقة، فمال الربا خبيثٌ، والله -تعالى- لا يقبل من المال إلّا الطيب.
  • الربا من أعظم كبائر الذنوب التي تتسبّب في القسوة والظُلمة في قلب المرابي، ممّا يجعله لا مبالي بالمعسرين والفقراء، فهو ينتظر الفوائد من أي عملٍ يقوم به؛ كالربا.
  • يُجرّد المُرابي من المشاعر الإيجابية، بحيث يحرص على أخذ المال من المدينين، وإن جرّدهم من جميع أموالهم، فهو من أسباب العداوة والكُره الشديد بين الناس.

المراجع

  1. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2766، صحيح.
  2. ↑ د. محمد الدبل (7-4-2012)، "في الربا"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-11-2018. بتصرّف.
  3. ↑ د. إبراهيم الحقيل (17-10-2014)، "من أضرار الربا"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-11-2018. بتصرّف.
  4. ↑ د. إبراهيم الحقيل (16-10-2014)، "تحريم الربا"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-11-2018. بتصرّف.
  5. ↑ د. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، دمشق: دار الفكر، صفحة 3700-3710، جزء1. بتصرّف.
  6. ^ أ ب رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 7211، صحيح.
  7. ↑ د. سعيد القحطاني، الربا، صفحة 71-79، جزء 1. بتصرّف.
  8. ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 3809، صحيح لغيره.