إنّ الرفق من الأخلاق الكريمة التي حثّ عليها الإسلام، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلَّا زانَه، ولا نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَه)،[1] كما أنّه من وسائل ضبط السلوك والانفعالات، إلّا أنّ الكثير من الناس يتغافلون عنه، ولا يتحلّون به، فالواجب على المسلم التحلي بخلق الرفق في أقواله وأفعاله، ومعاملته للناس، ولمختلف الكائنات الحيّة، ويعرّف الرفق: بأنه القدرة على التحكم بأهواء ورغبات النفس، والتجمّل بالصبر والحلم، وعدم اللجوء إلى العنف، وكظم الغضب، وعدم الانفعال عند تلقّي الإساءة بالقول، أو الفعل، أو السلوك، فالرفق يقصد به؛ اللين واللطف، واللجوء إلى الجنب الأسهل والأيسر في مختلف الأمور، والرفق يدل على كمال العقل، والقوة في الشخصية، والاعتدال في النظر إلى الأمور، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (المؤمنونَ هيِّنونَ ليِّنُونَ، كالجملِ الأَنِفِ، إِنَّ قِيدَ انقادَ، وإذا أُنِيخَ على صخرةٍ استناخَ)،[2] فالرفق في الأمور يؤدي إلى تحقيق أفضل وأحسن النتائج، بخلاف العنف الذي قد يؤدي إلى أسوء النتائج وأشنعها.[3]
بيّن الإسلام الآداب والسلوكات المتعلقة بالتعامل مع الحيوان، حيث دلّ ذلك في جوهره على شمولية الإسلام، وكماله، فالإسلام حرص على الرفق بالحيوانات قبل نشوء المؤسسات والهيئات التي تهتم بالحيوان، كما أنّ الأحكام المتعلقة بالحيوان التي بيّنتها الشريعة الإسلامية لم تخصّ حيواناً دون آخر، ولم تخصّ وقتاً من الأوقات برعايته، ومن مظاهر اعتناء الإسلام بالحيوان؛ وجوب القيام بما يصلحه، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (اتَّقوا اللهَ في البهائمِ الْمُعْجَمَةِ، فارْكبوها صالحةً، وكُلوها صالحةً)،[4] ويدل الحديث على وجوب خوف المسلم من الله -تعالى- في تعامله مع الحيوان، حيث إنّ الحيوان لا يعلم حاله؛ إن كان محتاجاً للطعام، أو الشراب، أو إن كان يشعر بالتعب أو المشقّة، كما أنّ الإسلام أوجب نفقة الحيوان على من يملكه، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (عُذِّبَتِ امرأةٌ في هِرَّةٍ سجَنَتْها حتَّى ماتت، فدخَلَتْ فيها النَّارَ، لا هي أطعَمَتْها، ولا سَقَتْها، إذ حبَسَتْها، ولا هي ترَكَتْها تأكُلُ مِن خَشَاشِ الأرضِ)،[5] حيث إنّ الإحسان إلى الحيوان وإطعامه وسقايته، من أسباب مغفرة الذنوب، ودليل ذلك ما رواه الصحابي أبو هريرة -رضي الله عنه- أنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: (أنَّ امرأةً بَغِيًّا رأت كلبًا في يومٍ حارٍّ يطيفُ ببئرٍ، قد أَدلعَ لسانَه من العطش، فنزعتْ له بمُوقِها فغُفِر لها)،[6] كما أنّ الرفق مع الحيوان يجب أنّ يكون عند استخدامه، حيث روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّ امرأة كانت تركب البعير، إلّا أنّ البعير كان فيها صعوبةٌ، فكانت المرأة تجعل البعير يمشي، ثمّ توقفه بشدةٍ، وكررت فعلها أكثر من مرةٍ، فأمرها الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بالرفق في التعامل مع الحيوان، كما أنّ الإسلام نهى عن التحريش بالحيوانات، والتحريش يُضاد الرفق، والمقصود بالتحريش: تهييج الحيوانات بعضها على بعضٍ، حيث إنّ في ذلك إلحاق الأوجاع والآلام بالحيوانات دون مبررٍ وسببٍ، وإنّما مجرّد لهوٌ ولعبٌ.[7]
إنّ المسلم بتحلّيه بالرفق يحقق العديد من الأهداف والغايات، وفيما يأتي بيان بعضها:[8]