يعد طهر المرأة من الحيض شرطًا مهماً لصحّة العبادة، فعلى المرأة أن تعلم مدة حيضتها وتغتسل بعدها،[1] في هذا المقال سنفصّل في بعض الأحكام المتعلقة بطهر المرأة استنادً إلى ما اتفق عليه العلماء وما استنبطوه من أحكام الشرع والدين.
ورد من علامات الطهر التي يُعرف بها انتهاء الحيض وجاء عليه اتفاق العلماء علامتين. هما:[1]
جاء في حكم الإفرازات التي تخرج من المرأة كالصفرة والكدرة أنّها إذا كانت بعد الطهر التام وجب على الحائض الاغتسال من حيضها؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: (كنَّا لا نعُدُّ الكُدْرةَ والصُّفْرةَ بعدَ الطُّهْرِ شيئًا)،[4] أما إذا نزلت صفرة أو كدرة متصلة بدم الحيض فعلى المرأة ألا تعجل بالاغتسال؛ لأنّ الصفرة في هذه الحال دليل على عدم النقاء من الحيض؛ ولهذا كان الطهر الذي جاء في الحديث علامة مهمة في تحديد حكم اللإفرازات، فهي بعد الطهر كحكم البول يُستنجى منه ويتوضأ وضوء الصلاة.[1]
لم يأت في تقدير مدّة الحيض ما تقوم به الحجة فلا يُعلم أقل الحيض ولا أكثره، فإن كان للمرأة عادةٌ تعمل عليها، لحديث أم سلمة رضي الله عنها أنّها استفت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة تهراق الدم فقال: (لتنظُرَ عددَ الليالي والأيّامِ التي كانتْ تحيضُها من الشهرِ قبل أن يصيبَها الذي أصابها فلتدعِ الصلاة قدرَ ذلكَ)،[5] أما التي لم تكن لها عادةٌ متقررة ترجع إلى الصفات الواردة التي يُعرف بها دم الحيض فقد جاء في حديث فاطمة بنت أبي حبيش المتقدم ذكره أنّ دم الحيض متميّز عن غيره معروفٌ لدى النساء. وقد جاء في مدّة الطهر بين الحيضتين أنّه لا حدّ لأكثره وهذا باتفاق العلماء إلا أنّهم اختلفوا في أقّله، فقدّره بعضهم بخمسة عشر يوماً، في حين ذهب فريقٌ منهم إلى أنّه ثلاثة عشر، ولم يأت في تقدير أقلّه دليلٌ تقوم به الحجة.[2]
من المعلوم أنّ الحيض يزيد وينقص فقد يكون الحيض سبعة ينقطع الدم لخمس، وقد يكون الحيض سبعاً فيستمر إلى عشر، فمن زادت مدتها عن المدة المعلومة تترك الصلاة وقت الدم إلى خمسة عشر يوماً فإن بلغتها وهي لا تزال تحيض تدخل في حكم المستحاضة فتصلي وتصوم وتتوضأ لكل صلاة وتستنجي بالماء، حتى يعود الحيض إلى مدّته، وهذا قول الجمهور.[6]
يرى بعض العلماء أنّ الحائض التي طهرت ثمّ عاودها الدم عليها أن تنتظر اليوم ونصف اليوم إذا كان الانقطاع في زمن الحيض، لأنّ عادة الدم أنّه يجري وينقطع، وهذا القول الثاني هو الذي رجّحه ابن قدامة في المغني، حيث كان قوله الأول: (فإنّ المرأة متى رأت الطهر فهي طاهر تغتسل، وتلزمها الصلاة والصيام، سواء رأته في العادة أو بعد انقضائها)، ولم يفرق العلماء بين قليل الطهر وكثيره، واستدلّ أصحاب هذا الرأي بحديث ابن عباس أنّه قال: (إذا رأَتِ الدَّمَ البَحرانيَّ فلا تصلِّي وإذا رأتِ الطُّهرَ ولو ساعةً فلتَغتَسِلْ وتصلِّي)،[7] وقد كان هذا رأي الرحيباني فقد جاء عنه في كتابه مطالب أولي النهى قوله: (ومن انقطع دمها في أثناء عادتها ولو كان انقطاعه أقل مدة، فلا يعتبر بلوغه يوما، فهي طاهر تغتسل؛ لأنّ الله تعالى وصف الحيض بكونه أذى، فإذا ذهب الأذى وجب زوال الحيض)، وقد أخذ هذا الفريق بظاهر قول ابن عباس (وإذا رأتِ الطُّهرَ ولو ساعةً ) إلا أنّ المعنى الصحيح لكلام ابن عباس أنّ الحائض إذا رأت الطهر ولو زمناً يسيراً وجب عليها المبادرة بالاغتسال، وليس المقصود أنّه لا بدّ أن تمضي على الجفاف مدة زمنية تقدّر بساعة كما أنّ هذا الحديث أدرج في الأحاديث الواردة عن المستحاضة وليس فيمن انقطع حيضها؛ لذلك يكون الرأي أنّ انقطاع الدم متى نقص عن اليوم ليس بطهر فلا تلتفت المرأة إلى ما دون اليوم، وهو الصحيح ولأنّ في إيجاب الغسل على من تطهر ساعة حرج ينتفي بقوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)،[8] ولو كان انقطاع الدم ساعة طهراً لأفضى إلى ألا يستقر للمرأة حيض، لذلك لا يكون انقطاع الدم أقلّ من يوم طهراً؛ إلا أن ترى علامات الطهر بانقطاعه في آخر حيضها أو أن ترى القصة البيضاء.[9]