يُعدّ القلب بمثابة القائد، والمُوجّه للإنسان، فلا يفعل الإنسان جميلاً ولا يترك قبيحاً إلّا ويكون للقلب التأثير الأكبر في ذلك، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الحَلالَ بيِّنٌ وإنَّ الحَرامَ بيِّنٌ وبينَهمَا مشْتَبَهَاتٌ لا يعْلَمُهُنَّ كثيرٌ من الناسِ، فمنْ اتَّقَى الشبهَاتِ استَبرَأَ لدينِهِ وعِرضِهِ، ومن وقعَ في الشبهَاتِ وقعَ في الحرامِ؛ كالراعِي يرعَى حولَ الحِمَى يوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فيهِ، ألا وإنَّ لكلِ ملِكٍ حِمىً، ألا وإنَّ حِمَى اللهِ محَارِمُهُ، ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَتْ، فسدَ الجَسدُ كُلُّهُ، ألا وهِيَ القَلبُ)،[1] وقد شبّه بعض العلماء القلب بالملك الذي يأمر أتباعه، والأعضاء والجوارح هي الأتباع المُخلصة التي تُنفّذ ما يأمر به هذا الملك، فإذا كان الملك فاسداً كان أتباعه فاسدين مثله، وأمّا إذا كان الملك صالحاً أصبح الجنود صالحين بصلاحه، ومن الجدير بالذكر أنّ الأعمال تتفاوت بمقدار ما في القلب من محبةٍ، وإيمانٍ، وتعظيمٍ، وإجلالٍ، وإخلاصٍ لله تعالى، ولذلك قد تكون الأعمال متشابهة ظاهرياً، ولكنّها تتفاضل تفاضلاً عظيماً، وقد اعتنى السلف -رضي الله عنهم- بأعمال القلوب، وجاهدوا أنفسهم لتطهيرها من الإرادت الفاسدة والأهواء، وأمّا المنافقون فقد اعتنوا بالأعمال الظاهرة وما تبعها من عاجل البشرى، ونسوا أعمال القلب من إخلاص القصد لله تعالى، والرغبة بما عنده من الجزاء فكانت عاقبتهم الخسران في الآخرة.[2]
الورع هو المصدر الصريح للفعل وَرَعَ، ويُقال: ورع وروعاً، بمعنى أنّه ابتعد عن الشُبهات، وكفّ نفسه عن المعاصي من باب تحرّي التقوى، ويُقال كذلك أنّ الورع هو الكفّ عمّا هو مباح وحلال، ويُقال للرجل الذي يتصف بالورع أنّه وَرِع، بمعنى أنّه عاش تقيّاً، مُتعبّداً، ثابتاً على ذلك، وأمّا الورع في الاصطلاح الشرعيّ فهو تجنّب كلّ ما يُعدّ من الشبهات؛ خشية الوقوع في الحرام، وعرّفه القرافي بقوله: (ترك ما لا بأس به؛ حذراً ممّا به البأس)،[3][4] وبيّن ابن عثيمين -رحمه الله- أنّ الورع هو ترك ما يُشتبه في حكمه أو حقيقته، ويُقصد بالاشتباه في الحكم: الاشتباه في أنّه حلالٌ أم حرامٌ، والورع أن يأتي الإنسان بالشيء الذي يُشتبه في وجوبه؛ حتى لا يقع في إثم تركه، ويعني كذلك الامتناع عن الشيء الذي يُشتبه في حرمته؛ خشية أن يقع في الإثم، أمّا الاشتباه في الحال فيُقصد به الاشتباه في حال الشيء، وحتى يتضّح ذلك يُمكن ضرب مثال اختلاف بعض العلماء حول حكم تناول الدجاج المستورد، فاختلافهم سببه اشتباههم في حال الدجاج، فقد بيّن البعض أنّ الدجاج لا يُذبح ،وإنّما يُضرب بصعقة ٍكهربائيةٍ، أو غير ذلك من الطرق غير الشرعيّة، بينما قال آخرون بجواز أكله؛ لأنّه من طعام أهل الكتاب، وقد أحلّ الله -تعالى- أكل طعامهم، وفي مثل هذه الحالات يُعدّ ترك هذا الدجاج والامتناع عن تناوله من الورع، ومن الجدير بالذكر أنّ الورع يشمل مجالات الحياة كلّها، من بيعٍ وشراءٍ، وغير ذلك، ويشمل كذلك حواسّ الإنسان كلّها، من سمعٍ، ونظرٍ، ولسانٍ، وفرجٍ، وبطنٍ.[5]
ضرب السلف الصالح من الصحابة والتابعين أروع الأمثلة بالكفّ عن الحرام، وفيما يأتي بعض الأمثلة على ورعهم:[6]
الورع الكاذب هو التظاهر بالورع من قِبل أشخاص ليسوا من أهله؛ ليخدعوا الآخرين بذلك، وفيهم قال الله تعالى: (قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرينَ أَعمالًا*الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبونَ أَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعًا)،[7] وفي ما يأتي ذكرٌ لبعض قصص الورع الكاذب:[8]