-

ما حكم الخمر

ما حكم الخمر
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

مقاصد الشريعة الإسلامية

مقاصد الشريعة الإسلامية هي الأهداف العامّة التي تريد الشريعة أن تحققها في حياة البشر، وهي كذلك الأهداف الخاصة التي تسعى الشريعة إلى تحقيقها من خلال كل حكم على وجه الخصوص، والمقصد العام للشريعة هو تحقيق مصالح الخلق عامّةً في الدنيا والآخرة من خلال مجموع الأحكام التي جاءت بها، ومصالح الخلق تنقسم بدورها من حيث الأهميّة إلى ضروريات وحاجيات وتحسينيات؛ والضروريات هي ما لا يمكن للناس الاستغناء عنه بأيّ حال كان، وأمّا الحاجيات فهي ما يؤدي غيابها إلى حصول مشقّة كبيرة واختلال في حياة الناس؛ فهم محتاجون إليها لتحقيق أمور مهمّة في حياتهم، وأمّا التحسينيات فهي ما يتمّ من خلالها تجميل وتحسين حياة الناس، مثل: جمال الملبس، والمأكل.[1]

اتّفقت الأديان السماوية والعقلاء من الناس جميعاً على أنّ أهم ما يجب على الناس أن يحافطوا عليه لصلاح أحوالهم هي خمسة أمور كليّة، تُسمّى الكليات الخمس، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، وقد شرع الإسلام أحكاماً كثيراً لتحقيق الحفاظ على هذه الكليات؛ وذلك من حيث وجودها وبقائها واستمرارها وإنمائها، ومن وسائل حفظ الدين في الشريعة الإسلامية مثلاً إقامة الإيمان على البرهان العقلي والحجة العلميّة، وقد شرعت لحفظ النفس الزواج، فبه يتكاثر الناس ويُحفَظ الجنس البشري من الزوال، ولحفظ النسل شرع الإسلام الضوابط في العلاقة بين الجنسين ومنع الاعتداء على الأعراض، ولحفظ المال كان الشرع الإسلامي حاثاً دائماً على السعي لكسب الرزق، وتحصيل معاش الإنسان، ومن حفظها للعقل أن حرّمت كل ما من شأنه أن يضرّ به أو يعطّل طاقته، ومن ذلك شرب الخمر، فما هو حكمه؟[1]

حُكم الخمر في الإسلام

أجمع العلماء على حُرمة شرب الخمر، وعدّوا ذلك من المعلوم من الدين بالضرورة، ومن شربها مُنكِراً حُرمتها مُستحلّاً لها كان كافراً؛ لأنّه بذلك قد كذّب نصاً قطعياً في القرآن الكريم، والخمر كبيرة من الكبائر التي ورد الأمر في القرآن الكريم باجتنابها، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)،[2] وورد كذلك نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عنها في حديثه: (كلّ مسكرٍ حرامٌ، إنَّ على اللهِ عزَّ وجلَّ عهداً لمن يشربُ المسكرَ، أن يسقيَه من طينةِ الخبالِ)،[3] وقال العلماء إنّ الواجب على من يشرب الخمر من المسلمين أن يُسارع في التوبة إلى الله تعالى، وترك هذه المعصية.[4]

وفي حكم الخمر من حيث الطهارة؛ اتفق العلماء على أنّها نجسة نجاسةً معنويةً، لما وصفها الله به في القرآن واختلفوا في طهارتها الحسّيّة، فاتّفقت المذاهب الأربعة على نجاستها الحسيّة أيضاً، وكذلك قالت عامّة الأمة، وقالوا إنّ التنزه منها إن أصابت الثوب أو البدن واجب على الإنسان، وذهب بعض أهل العلم الآخرون إلى القول بطهارتها الحسيّة واستدلوا على ذلك بما ثبت من أنّ الصحابة رضوان الله عليهم لمّا حُرِّمت الخمر أراقوا ما لديهم منها في الأسواق والطرقات، ولو كانت نجسةً لما جاز لهم أن يلوّثوا الأسواق بها، وقالوا إنّه لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره الصحابة أن يغسلوا الأواني منها عند تحريمها، ولو كانت نجسةً لأمرهم بذلك، كما أمرهم به عند تحريم لحوم الحُمر الأهلية، وأخيراً فقد قالوا إن الأصل في الأشياء الطهارة وذلك حتى يدلّ دليل على نجاستها، ولم يرد دليل بيِّن في الخمر يدل على نجاستها، فالأصل إذاً أن تبقى على أصلها من الطهارة.[5]

الحِكمة من تحريم الخمر

حرّم الله سبحانه وتعالى شرب الخمر على المسلمين لأجل حمايتهم وصيانتهم من آثارها، لا من أجل المنع والحرمان، فشرب الخمر يغطّي عقل الإنسان، ممّا يؤدي به إلى تصرفات تضرّ ببدنه، وروحه، وولده، وماله، ومجتمعه، وشرفه، وعِرضه، وكلّ ما حوله، وهي تسبّب كثيراً من الأمراض كالضغط والبَلَه والجنون، كما تؤدي إلى انتشار البغضاء والخلافات بين الناس، وتُباعد بين الإنسان وذكر الله تعالى، ويتعطّل بشربها الإنسان عن العمل وعن الصلاة، كما أنّ شرب الخمر فيه نوع من الجناية على العقل الذي جاءت الشريعة تأمر بحفظه وجعلت ذلك من الكليات الخمسة فيها، فجاءت الشريعة الإسلامية مُحرِّمةً للخمر حتىّ تمنع كل هذه الانتهاكات الحاصلة بشربها؛ في المال، والعِرض، والنفس، والأخلاق.[6]

حُكم بيع الخمر للكفار

ذهب جمهور أهل العلم إلى حُرمة بيع الخمر والعمل في متاجرها ومقاهيها، وقالوا إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشرة أصناف، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريلُ فقال: يا محمَّدُ! إنَّ اللهَ لعَن الخمرَ، وعاصِرَها، ومُعتصِرَها، وشارِبَها، وحامِلَها، والمحمولةَ إليهِ، وبائِعَها، ومُبتاعَها، وساقِيها، ومُسقاها)،[7] ومما استدلوا به أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإتلاف خمرٍ كانت في مالٍ لأيتام، فلو أنّ بيعها لأهل الكفر كان جائزاً لأمر به وردّ مالها إلى مال الأيتام، كما قالوا إنّ بائع الخمر للكفّار يُعدّ متعاوناً على الإثم والعدوان المنهيّ عنه في القرآن الكريم، وفي بيعها تحايل على شرع الله تعالى؛ حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم مرّةً عن اليهود: (قاتَل اللهُ اليهودَ، إنَّ اللهَ لما حرَّم شُحومَها جمَلوه، ثمّ باعوه، فأكَلوا ثمنَه).[8][9]

المراجع

  1. ^ أ ب الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن معلا اللويحق (2015-11-23)، "مقاصد الشريعة الإسلامية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-28. بتصرّف.
  2. ↑ سورة المائدة، آية: 90-91.
  3. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2002.
  4. ↑ "حكم شرب الخمر"، www.ar.islamway.net، 2013-2-3، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-28. بتصرّف.
  5. ↑ "هل الخمر نجسة وكذلك الكولونيا؟ "، www.ar.islamway.net، 2006-12-14، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-28. بتصرّف.
  6. ↑ "حكمة تحريم الخمر"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-28. بتصرّف.
  7. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2360، صحيح.
  8. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2236، صحيح.
  9. ↑ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم، "العمل في متاجر الخمور ومقاهيها في بلاد الكفار"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-28. بتصرّف.