إنّ الكون بما فيه من آياتٍ وعظمةٍ، يدلّ على ربوبيّة الله تعالى، وكمال وحدانيّته، والقدرة والعظمة الكاملتين؛ فالله تعالى خَلق السماوات والأرض وما فيها دون أيّ تعبٍ أو جهدٍ، وذلك خلال ستّة أيّامٍ، وإرادته لا يردّها أيّ أمرٍ، حيث قال في القرآن الكريم: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)،[1] والمؤمن بالاطلاع على قدرة الله تعالى، وعلى ما خَلق وبثّ في الكون من المخلوقات، تزيد محبّته لله تعالى، وخوفه وخشيته منه، ومن عجائب قدرة الله في الكون؛ النجوم والكواكب التي تزيّن السماء، وقد أقسم الله تعالى بها في القرآن الكريم، حيث قال: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ)،[2] كما أنّ في السماء عددٌ لا يحصى من الملائكة، جميعهم عابدين لله تعالى وطائعين له، وكلّ يومٍ يطوف منهم سبعون ألفاً حول الكعبة المشرّفة، كما أنّ الأرض مستقرٌّ لعددٍ لا يُحصى من الدواب، وجميع المخلوقات تسبّح الله تعالى، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)،[3] ومن الجدير بالذكر أنّ أمر السماوات والأرض يوم القيامة بيد الله تعالى.[4]
خلق الله تعالى الكون وأبدع فيه وأتقن، وفي خلقه للكون إعجازٌ مشهودٌ، حيث قال: (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)،[5] وبذلك يتعلّم الإنسان الدقّة والإتقان، ويصبح التدبّر جزءاً من تسخير الإنسان في الأرض، كما أنّ الآية السابقة تدلّ على أنّ الله تعالى سخّر الإنسان في الأرض، وبذلك تتكامل العلاقة بين الإنسان والكون، فخلق الكون بما فيه من آياتٍ ومعجزاتٍ من أجل الإنسان، فالكواكب في السماء من آيات الله الجميلة التي يتغنّى بها الإنسان، كما أنّها تسخيراً للإنسان، حيث قال الله تعالى: (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)،[6] ومن آيات الله في الكون؛ خلق الأنعام والبهائم؛ للركوب والارتحال، وللتفكّر في خلقها وجمالها، حيث قال الله عزّ وجلّ: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)،[7] والنبات خلقه الله تعالى؛ للتزوّد منه بالطعام، والتأمّل في خَلقها، حيث قال: (انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)،[8] ومن الجدير بالذكر أنّ جسد الإنسان لا ينفصل عن روحه، وبذلك ينظر الإسلام إلى الإنسان، فالإنسان مزيجٌ من نفخ الروح فيه وطينة الأرض، حيث قال الله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي)،[9]والروح في الآية السابقة مضافةٌ إلى الله تعالى؛ تشريفاً له وتعظيماً، وبتأمّل الإنسان في خَلق الله تعالى للكون، يشعر بأنّه منتظمٌ معه، ويشعر أيضاً بأنّه مسبّحٌ لله تعالى مع ما في الكون، حيث قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ)،[10] فالله تعالى أوكل الإنسان مهمّة الاستخلاف في الأرض، ورزقه لذلك النجدين.[11]
أثبت القرآن الكريم العديد من أنواع إعجاز الله تعالى في خلقه للإنسان والكون، وفي ذلك دلالةٌ على عظيم خَلق الله عزّ وجلّ، وفيما يأتي بيان بعض صور إعجاز الله تعالى في الكون الدالة على قدرته:[12]