لماذا فرض الله الصلاة

لماذا فرض الله الصلاة

الصلاة

الصلاة هي اللقاء الروحي والإيماني المقدّس، الذي يُعلي الروح، ويحدّد للإنسان الغاية الأسمى من الوجود، وهي الحضور الفريد الخاص بين المخلوق وخالقه، المنفردة في مكان شروعها، عن سائر العبادات، فقد شُرعت الصلاة على المسلمين في السماوات العُلا في الإسراء والمعراج، حيث فرضها الله -تعالى- على رسوله محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، خمسون صلاةً في اليوم والليلة، إلّا أنّها خُفّفت إلى خمس صلواتٍ معلوماتٍ، كما أنّها أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة، وآخر ما أوصى بها الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فقد بقي يردّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (الصلاةَ الصلاةَ وما ملكت أيمانُكم)،[1] والصلاة ملاذ القلوب وسكينة الروح، حيث كان يقول النبي-صلّى الله عليه وسلّم- لبلال بن رباح رضي الله عنه: (ارِحْنا بها يا بلالُ)،[2] ولا تسقط الصلاة عن المسلم في كلّ أحواله، ما دام مدركاً واعياً فهو مكلّف بأدائها، فما الغاية التي فرضت من أجلها الصلاة، وما أركانها، وشروطها؟[3]

الحكمة من فرض الصلاة

فُرضت الصلاة على أمة محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، لحكمٍ عظيمةٍ تجلّت فيما يأتي:[3][4][5]

  • إظهار العبودية ومقام الذلّ والانكسار بين يدي الله عزّ وجلّ، وهو مقامٌ رفيع القدر، فكلّما طأطأ العبد رأسه، وذلّت جبهته للعزيز الجبّار ارتفع قدره في الدنيا والآخرة.
  • الصلاة حبلاً موصولاً بين العبد وخالقه، وهذه العلاقة يوميّة متكررّة، يشحن بها العبد همّته، ويتصل فيها بخالقه، ويرتفع بها إلى منازل القربات، فقد قال الله تعالى: (إِنَّني أَنَا اللَّـهُ لا إِلـهَ إِلّا أَنا فَاعبُدني وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكري).[6]
  • نيل راحة القلب وسكون الجوارح، فقد كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يدعو بلال بن رباح للصلاة حتّى يرتاح بها، وترتاح بها قلوب المسلمين الموحّدين.
  • تحقيق قوة البدن وصحّة الجسم والروح، وهي نشاطٌ ما بعده نشاطٌ، وهي إن تمّت تأديتها مع جماعة المسلمين فهي نوعٌ من أنواع التواصل الاجتماعي في أماكن العبادة، وحصول البركة والمحبّة والتضامن بين المسلمين أنفسهم.
  • اطمئنان القلب بتلاوة القرآن الكريم، وعند سجود العبد بين يدي الله.
  • محو الخطايا وتكفير السيئات، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ كلَّ صلاةٍ تحطُّ ما بينَ يَديها مِن خطيئةٍ).[7]
  • النهي عن الفحشاء والمنكر، فالصلاة تحول بين العبد وبين فعل وارتكاب المعاصي والآثام.

أركان الصلاة

إنّ للصلاة أركان لا تقوم ولا تصحّ إلّا بها، وهي:[8]

  • القيام للقادر في صلاة الفريضة، ودليل ذلك ما جاء من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، حيث قال: (كانت بي بواسيرُ فسألتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عنِ الصَّلاةِ فقالَ صلِّ قائماً، فإن لم تستَطِع فقاعداً، فإن لم تستَطِع فعلى جَنبٍ فإن لم تستطِع فمُستَلقٍ لا يُكَلِّفُ اللَّه نَفساً إلَّا وُسعَها).[9]
  • تكبيرة الإحرام عند الشروع في الصلاة.
  • قراءة سورة الفاتحة في كلّ ركعةٍ.
  • الركوع مع الاطمئنان.
  • الاعتدال من الركوع، مع الاطمئنان.
  • السجود مع الاطمئنان.
  • التشهّد الأخير.
  • التسليمة الأولى.

شروط صحة الصلاة

لضمان صحة الصلاة؛ لا بدّ من توافر شروطاً ينبغي على المصلي الإتيان بها قبل أن يبدأ بالصلاة، ومنها:[8]

  • دخول الوقت، والعلم به، فلا تجوز أداء الفرائض من الصلوات قبل دخول وقتها، سواءً إن كان قد سمع النداء للأذان، أو تحرّى دخول وقت الصلاة التي يريد أن يُؤديها إن كان في مكان يصعُب فيه سماع الأذان؛ كأن يكون في الصحراء، أو أن يخبره أحد بسماع الأذان ودخول الوقت، على أن يكون من أهل الثقة، ودليل ذلك قول الله تعالى: (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا).[10]
  • الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا).[11]
  • طهارة البدن والثوب والمكان، فيشترط لصحة الصلاة طهارة البدن من أي نجاساتٍ تلامسه، ودليل ذلك ما جاء من حديث ابن عباس رضي الله عنه، حيث قال: (مرَّ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ على قبرينِ فقالَ إنَّهما يُعذَّبانِ وما يُعذَّبانِ في كبيرٍ أمَّا هذا فكانَ لا يستنزِهُ منَ البولِ وأمَّا هذا فكانَ يمشي بالنَّميمةِ ثمَّ دعا بعسيبٍ رطبٍ فشقَّهُ باثنينِ ثمَّ غرسَ على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا وقالَ لعلَّهُ يخفَّفُ عنهما ما لم ييبِسا قالَ هنَّادٌ يستترُ مكانَ يستَنْزِهُ)،[12] كما قال أيضاً: ( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)،[13] وما روته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، فقد قالت: (جاءتِ امرأةٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالتْ: أرأيتَ إحدانا تَحِيضُ في الثوبِ، كيفَ تصنعُ؟ قال: تَحُتُّهُ، ثم تَقْرُصُهُ بالماءِ، وتَنْضَحُهُ، وتُصلي فيهِ)،[14] وتعدّ طهارة المكان شرطاً لصحة الصلاة؛ وذلك أنّه مكانٌ تُقام به العبادة، ويُتقرّب به إلى الله، وذلك استناداً إلى قول الله تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).[15]
  • ستر العورة لكلا الجنسين، الذكر والأنثى، حيث تحدّد عورة الرجل من السّرة إلى الرّكبة، وأمّا المرأة فيجب عليها تغطية كامل جسدها في الصلاة، عدا الوجه والكفين.
  • استقبال القبلة، وهذا شرط متفق عليه بين الفقهاء بالإجماع، بأن يوجّه المصلّي وجهه قِبل الكعبة المشرفة، فقد قال الله تعالى: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)،[16] وفي حالاتٍ مخصوصةٍ لا يُشترط فيها استقبال القبلة، ومنها: العاجز عن استقبالها؛ كالمريض، والمسجون المقيّد بالسلاسل، وعند الخوف من عدوٍ ونحوه، وصلاة النافلة للمسافر، ولكن يستحبّ له أن يبدأ صلاته مستقبلاً القبلة إن أمكنه ذلك.
  • النية، ومحلّها القلب، ولا تصحّ الصلاة دون استحضارها في القلب، وهي عزيمة المؤمن على الإتيان بالطاعة والعبادة؛ تقرّباً من الله تعالى، وأمّا التلفظ بها فلم يصحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

المراجع

  1. ↑ رواه ابن جرير الطبري، في مسند علي، عن أم سلمة هند بنت أبي أمية، الصفحة أوالرقم:166، إسناده صحيح.
  2. ↑ رواه العراقي، في تخريج الإحياء، عن بلال بن رباح، الصفحة أو الرقم: 1/224، إسناده صحيح.
  3. ^ أ ب الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن بن عبد العزيز الدهيشي (2013-6-6)"فضل الصلاة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-20. بتصرّف.
  4. ↑ "رسالـة حول أهمية الصلاة "، www.islamway.net، 2008-9-4، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-20. بتصرّف.
  5. ↑ سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (2007-4-28)، "الصلاة وحكمة تشريعها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-20. بتصرّف.
  6. ↑ سورة طه، آية: 14.
  7. ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أبي أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 1/186، إسناده حسن.
  8. ^ أ ب الشيخ صلاح نجيب الدق (2017-1-29)، "شروط وأركان الصلاة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-14. بتصرّف.
  9. ↑ رواه ابن الملقن، في تحفة المحتاج، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم: 1/286، صحيح أو حسن.
  10. ↑ سورة النساء، آية: 103.
  11. ↑ سورة المائدة، آية: 6.
  12. ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 20، صحيح.
  13. ↑ سورة المدثر، آية: 4.
  14. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أسماء بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم: 227، صحيح.
  15. ↑ سورة البقرة، آية: 125.
  16. ↑ سورة البقرة، آية: 144.