البيع من ألفاظ الأضداد، بمعنى أنّه يطلق على تملك السلعة أو تمليكها، فيقال مثلاً باعه الحصان، بمعنى ملّكه الحصان، أو ابتاع منه الحصان بمعنى اشترى وتملّك منه الحصان، والبيع بشكل عام: مبادلة مال بمال على وجه مشروع بينته الشريعة الإسلاميّة، وتتنوع البيوع فمنها ما هو جائز، ومنها ما هو محرّم، ومنها ما تعددت آراء الفقهاء في حكمه، فهناك مثلاً بيع السلم، وبيع المسلم على بيع أخيه المسلم، وهناك بيع العينة، الذي سنتحدث عنه في مقالنا.
بيع العينة هو من البيوع المنهي عنها، وقد ألجأت من يقوم به الحاجة إلى المال، ويعرف بأنّه بيع السلعة بثمن مؤجل، ثمّ يشتريها منه بثمن عاجل أقل من ثمنها الأول، فلم يقم بهذا الصورة من البيع إلا لتلبية حاجته من المال، ومثال ذلك كأن يكون محتاجاً لخمسين ديناراًفيشتري جهاز خلوي بأربعمئة دينار يكون الثمن فيها مؤجلاً، ويمتلك جهاز الخلوي عند العقد، ثمّ يبيعه لمن اشتراه منه بعد ذلك بثلاثمئة وخمسين ديناراً، فقد حصل البائع على ثمن الجهاز أول مرة، ثمّ حصل على خمسين ديناراً في المرة الثانية، وهذه الزيادة تلتقي في حكمها مع الربا، فالربا قرض قد جرّ نفعاّ على صاحبه، وبيع العينة بهذه الصورة قد جرّ زيادة لصاحبه غير تلك التي أخذها ربحاً في البيع الأول، وعلة التحريم في بيع العينة هو وجود الحيلة الربويّة، وهذا النوع من الحيل منهي عنه في الإسلام وهو أكل لأموال النّاس بالباطل، وهي تلتقي تماماً مع حيل بني إسرائيل عندما حرم الله عليهم اصطياد السمك يوم السبت، فما كان منهم إلا أن جعلوا حفراً يتجمع فيها السمك في يوم السبت، ليأخذوه في اليوم الثاني، ووجه الشبه بين الموضوعين، وجود الحيلة والتحايل على النص الشرعي.
عندما حرم الله سبحانه وتعالى بعض الأشياء فقد أوجد لها البدائل الشرعية، فعندما حرم الزنا فقد شرع الزواج، وعندما حرّم الربا وتوابعه من بعض البيوع كالعينة، فقد شرع سبحانه القرض الحسن، وهو القرض الذي لا يجر نفعاً للمقرض، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لم يحرم الله سبحانه شيئاً عبثاً وإنّما لحكمة راجحة، سواء اهتدى الإنسان إلى معرفتها أو لم يهتد، فعلينا الاستجابة لتعاليم الله ورسوله وعدم تقديم أحكامنا على أحكام الله ورسوله، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الحجرات: 1]. وقال أيضاً : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال: 24].